للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى الْمُقِيمِ لَوَجَبَتْ عَلَى الْمُسَافِرِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ وَصَارَ كَالْعَتِيرَةِ.

وَوَجْهُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يَلْحَقُ بِتَرْكِ غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ يُضَافُ إلَيْهَا وَقْتُهَا. يُقَالُ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَذَلِكَ يُؤْذِنُ بِالْوُجُوبِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ وَهُوَ بِالْوُجُودِ، وَالْوُجُوبُ هُوَ الْمُفْضِي إلَى الْوُجُودِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى الْجِنْسِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَدَاءَ يَخْتَصُّ بِأَسْبَابٍ يَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ اسْتِحْضَارُهَا وَيَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْجُمُعَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِرَادَةِ فِيمَا رُوِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يَلْحَقُ بِتَرْكِ غَيْرِ الْوَاجِبِ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ «مَنْ تَرَكَ سُنَّتِي لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي». أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّرْكِ اعْتِقَادًا أَوْ التَّرْكِ أَصْلًا، فَإِنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ أَصْلًا حَرَامٌ قَدْ تَجِبُ الْمُقَاتَلَةُ بِهِ، لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْأَذَانِ وَلَا مُقَاتَلَةَ فِي غَيْرِ الْحَرَامِ، وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ) ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ (وَهُوَ) أَيْ الِاخْتِصَاصُ (بِالْوُجُودِ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِهِ فَضْلًا عَنْ الِاخْتِصَاصِ (وَالْوُجُوبُ هُوَ الْمُفْضِي إلَى الْوُجُودِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى الْجِنْسِ) لِجَوَازِ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ السُّنَّةَ أَيْضًا تُفْضِي إلَى الْوُجُودِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى الْجِنْسِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ يُفْضِي إلَيْهِ لِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِتَرْكِهِ، وَقَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْأَدَاءَ اخْتَصَّ بِأَسْبَابٍ: أَيْ بِشَرَائِطَ يَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ اسْتِحْضَارُهَا وَهِيَ تَحْصِيلُ الشَّاةِ وَالِاشْتِغَالُ بِذَبْحِهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَقَدْ تَعَيَّنَ لَهُ السَّفَرُ قَبْلَ ذَلِكَ وَفِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ وَالسَّفَرُ مُؤَثِّرٌ فِي التَّخْفِيفِ؛ أَلَا تَرَى إلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ زِيَادَةِ ثَمَنِ الْمَاءِ الَّتِي لَا تَبْلُغُ قِيمَةَ الْأُضْحِيَّةِ وَلَا عُشْرَهَا فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ أَقْوَى حَرَجًا مِنْ زِيَادَةِ ثَمَنِ الْمَاءِ.

وَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ بِالْإِرَادَةِ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ مِنْكُمْ " فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>