قَالَ (وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ: يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ لِقَوْلِهِ ﵊ «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا أَيَّامُ ذَبْحٍ» وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵃ أَنَّهُمْ قَالُوا: أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا وَقَدْ قَالُوهُ سَمَاعًا لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْمَقَادِيرِ، وَفِي الْأَخْبَارِ تَعَارُضٌ فَأَخَذْنَا بِالْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ الْأَقَلُّ، وَأَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا كَمَا قَالُوا وَلِأَنَّ فِيهِ مُسَارَعَةً إلَى أَدَاءِ الْقُرْبَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ إلَّا لِمُعَارِضٍ. وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي لَيَالِيِهَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ، وَالْكُلُّ يَمْضِي بِأَرْبَعَةٍ أَوَّلُهَا نَحْرٌ لَا غَيْرُ وَآخِرُهَا تَشْرِيقٌ لَا غَيْرُ، وَالْمُتَوَسِّطَانِ نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ، وَالتَّضْحِيَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهَا تَقَعُ وَاجِبَةً أَوْ سُنَّةً، وَالتَّصَدُّقُ تَطَوُّعٌ مَحْضٌ فَتَفْضُلُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا، وَالصَّدَقَةُ يُؤْتَى بِهَا فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا فَنَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ
(وَلَوْ لَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ إنْ كَانَ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ كَانَ فَقِيرًا وَقَدْ اشْتَرَى الْأُضْحِيَّةَ تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ
الْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ، وَأَهْلُ الْجَبَّانَةِ هُمْ الْأَصْلُ وَقَدْ صَلَّوْا فَيَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا
قَالَ (وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَخْ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي لَيَالِيهَا) أَيْ فِي لَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ الْمُرَادُ بِهَا اللَّيْلَتَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ لَا غَيْرُ، فَلَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى وَهِيَ لَيْلَةُ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَلَا لَيْلَةُ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، لِأَنَّ وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ، وَيَفُوتُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِيَ عَشَرَ، فَلَا يَجُوزُ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ أَلْبَتَّةَ لِوُقُوعِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَلَا فِي لَيْلَةِ التَّشْرِيقِ الْمَحْضِ لِخُرُوجِهِ، وَإِنَّمَا جَازَتْ فِي اللَّيْلِ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ تَبَعٌ لِلْأَيَّامِ، وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ.
وَقَوْلُهُ (وَالتَّضْحِيَةُ فِيهَا) أَيْ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ (أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ) أَمَّا فِي حَقِّ الْمُوسِرِ فَلِأَنَّهَا تَقَعُ وَاجِبَةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَوْ سُنَّةً فِي أَحَدِ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ ﵀، وَالتَّصَدُّقُ بِالثَّمَنِ تَطَوُّعٌ مَحْضٌ، وَلَا شَكَّ فِي أَفْضَلِيَّةِ الْوَاجِبِ أَوْ السُّنَّةِ عَلَى التَّطَوُّعِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمُعْسِرِ فَلِأَنَّ فِيهَا جَمْعًا بَيْنَ التَّقَرُّبِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ، وَالتَّصَدُّقُ وَالْإِرَاقَةُ قُرْبَةٌ تَفُوتُ بِفَوَاتِ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ أَفْضَلُ، وَهَذَا الدَّلِيلُ يَشْمَلُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَتَشْبِيهُهُ بِالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الطَّوَافَ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ لِفَوَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ الَّتِي لَا تَفُوتُ، بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ
(لَوْ لَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ إنْ كَانَ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ) بِأَنْ عَيَّنَ شَاةً فَقَالَ: لِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ الشَّاةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُوجِبُ فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا (أَوْ كَانَ) الْمُضَحِّي (فَقِيرًا وَقَدْ اشْتَرَى شَاةً بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً وَإِنْ كَانَ) مَنْ لَمْ يُضَحِّ (غَنِيًّا) وَلَمْ يُوجِبْ عَلَى نَفْسِهِ شَاةً بِعَيْنِهَا (تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute