يَذْبَحَهَا الْكِتَابِيُّ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ هُوَ قُرْبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، فَلَوْ أَمَرَهُ فَذَبَحَ جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، وَالْقُرْبَةُ أُقِيمَتْ بِإِنَابَتِهِ وَنِيَّتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ الْمَجُوسِيَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ فَكَانَ إفْسَادًا
قَالَ (وَإِذَا غَلِطَ رَجُلَانِ فَذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ الْآخَرِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ مَنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الذَّابِحِ، وَهُوَ قَوْلُنَا.
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَضْمَنُ، كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً اشْتَرَاهَا الْقَصَّابُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ لِتَعَيُّنِهَا لِلْأُضْحِيَّةِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يُبْدِلَ بِهَا غَيْرَهَا فَصَارَ الْمَالِكُ مُسْتَعِينًا بِكُلِّ مَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِلذَّبْحِ آذِنًا لَهُ دَلَالَةً لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَعَسَاهُ يَعْجَزُ عَنْ إقَامَتِهَا بِعَوَارِضَ فَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً شَدَّ الْقَصَّابُ رِجْلَهَا، فَإِنْ قِيلَ: يَفُوتُهُ أَمْرٌ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ أَنْ يَذْبَحَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يَشْهَدَ الذَّبْحَ فَلَا يَرْضَى بِهِ. قُلْنَا: يَحْصُلُ لَهُ بِهِ مُسْتَحَبَّانِ آخَرَانِ، صَيْرُورَتُهُ مُضَحِّيًا لِمَا عَيَّنَهُ، وَكَوْنُهُ مُعَجِّلًا بِهِ فَيَرْتَضِيهِ، وَلِعُلَمَائِنَا ﵏ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَسَائِلُ اسْتِحْسَانِيَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ طَبَخَ لَحْمَ غَيْرِهِ أَوْ طَحَنَ حِنْطَتَهُ أَوْ رَفَعَ جَرَّتَهُ فَانْكَسَرَتْ أَوْ حَمَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَعَطِبَتْ كُلُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَالِكِ يَكُونُ ضَامِنًا، وَلَوْ وَضَعَ الْمَالِكُ اللَّحْمَ فِي الْقِدْرِ وَالْقِدْرَ عَلَى الْكَانُونِ وَالْحَطَبَ تَحْتَهُ، أَوْ جَعَلَ الْحِنْطَةَ فِي الدَّوْرَقِ وَرَبَطَ الدَّابَّةَ عَلَيْهِ، أَوْ رَفَعَ الْجَرَّةَ وَأَمَالَهَا إلَى نَفْسِهِ أَوْ حَمَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَسَقَطَ فِي الطَّرِيقِ، فَأَوْقَدَ هُوَ النَّارَ فِيهِ وَطَبَخَهُ، أَوْ سَاقَ الدَّابَّةَ فَطَحَنَهَا، أَوْ أَعَانَهُ عَلَى رَفْعِ الْجَرَّةِ فَانْكَسَرَتْ فِيمَا بَيْنَهُمَا، أَوْ حَمَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ مَا سَقَطَ فَعَطِبَتْ لَا يَكُونُ ضَامِنًا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الْإِذْنِ دَلَالَةً.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ: ذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَرِيحًا فَهِيَ خِلَافِيَّةُ زُفَرَ بِعَيْنِهَا وَيَتَأَتَّى فِيهَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ كَمَا ذَكَرْنَا، فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْلُوخَةً
وَلَحْمِهَا فَيُوضَعُ فِي مِيزَانِك وَسَبْعُونَ ضَعْفًا فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ﵁: هَذَا لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً أَمْ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَالْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ فَقَالَ ﵊ لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً، وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً».
وَقَوْلُهُ (حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُضَحِّي فَقِيرًا (وَيُكْرَهُ أَنْ يُبْدِلَ بِهَا غَيْرَهَا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ غَنِيًّا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَكَذَا وَجَدْت بِخَطِّ شَيْخِي ﵀. وَقَوْلُهُ (فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ وَاشْتَرَى بِقِيمَتِهَا غَيْرَهَا، فَلَوْ كَانَ غَيْرَهَا انْتَقَصَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute