للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ لِجَرْهَدٍ: «وَارِ فَخِذَك، أَمَا عَلِمْت أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ؟» وَلِأَنَّ الرُّكْبَةَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْفَخِذِ وَالسَّاقِ فَاجْتَمَعَ الْمُحَرَّمُ وَالْمُبِيحُ وَفِي مِثْلِهِ يَغْلِبُ الْمُحَرَّمُ، وَحُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ، وَفِي الْفَخِذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّوْأَةِ، حَتَّى أَنَّ كَاشِفَ الرُّكْبَةِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ وَكَاشِفَ الْفَخِذِ يُعَنَّفُ عَلَيْهِ وَكَاشِفَ السَّوْءَةِ يُؤَدَّبُ إنْ لَجَّ

(وَمَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ لِلرَّجُلِ مِنْ الرَّجُلِ يُبَاحُ الْمَسُّ) لِأَنَّهُمَا فِيمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ سَوَاءٌ. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ إلَى مَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَيْهِ مِنْهُ إذَا أَمِنَتْ الشَّهْوَةَ) لِاسْتِوَاءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي النَّظَرِ إلَى مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ. وَفِي كِتَابِ الْخُنْثَى مِنْ الْأَصْلِ: أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ أَغْلَظُ، فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا شَهْوَةٌ أَوْ أَكْبَرُ رَأْيِهَا أَنَّهَا تَشْتَهِي أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا، وَلَوْ كَانَ النَّاظِرُ هُوَ الرَّجُلُ إلَيْهَا وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَنْظُرْ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى التَّحْرِيمِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الشَّهْوَةَ عَلَيْهِنَّ غَالِبَةٌ وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ اعْتِبَارًا، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مَوْجُودَةً فِي الْجَانِبَيْنِ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا اشْتَهَتْ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي جَانِبِهِ حَقِيقَةً وَاعْتِبَارًا فَكَانَتْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَالْمُتَحَقِّقُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْمُحَرَّمِ أَقْوَى مِنْ الْمُتَحَقِّقِ فِي جَانِبٍ

قَوْلَ أَبِي عِصْمَةَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَوْلُهُ (وَقَالَ لِجَرْهَدٍ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَهْلِ الظَّاهِرِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الرُّكْبَةَ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى كَوْنِ الرُّكْبَةِ عَوْرَةً، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ.

وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُمَا) أَيْ لِأَنَّ النَّظَرَ وَالْمَسَّ فِيمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ سَوَاءٌ. وَقَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ إلَى مَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَيْهِ مِنْهُ) عَكْسُ هَذَا الْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَوَجْهُ الْفَرْقِ) أَيْ فَرْقِ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ مِنْ جَعْلِ عَدَمِ نَظَرِهَا إلَيْهِ مُسْتَحَبًّا وَعَدَمُ نَظَرِهِ إلَيْهَا وَاجِبًا هُوَ أَنَّ الشَّهْوَةَ عَلَيْهِنَّ غَالِبَةٌ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ غَالِبًا أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ بِسَبَبِ غَلَبَةِ الصِّدْقِ وَغَلَبَةِ الصِّحَّةِ لَا بِحَقِيقَتِهِمَا، وَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ جَوَّزَ الصَّلَاةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>