للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِرَهْنِ إحْدَاهُمَا وَإِجَارَتِهَا وَتَدْبِيرِهَا لَا تَحِلُّ الْأُخْرَى؛ أَلَا يَرَى أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ بِهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ نِكَاحٍ أَرَادَ بِهِ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ. أَمَّا إذَا زَوَّجَ إحْدَاهُمَا نِكَاحًا فَاسِدًا لَا يُبَاحُ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى إلَّا أَنْ يَدْخُلَ الزَّوْجُ بِهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا، وَالْعِدَّةُ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ فِي التَّحْرِيمِ. وَلَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا حَلَّ لَهُ وَطْءُ الْمَوْطُوءَةِ دُونَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بِوَطْءِ الْأُخْرَى لَا بِوَطْءِ الْمَوْطُوءَةِ. وَكُلُّ امْرَأَتَيْنِ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْأُخْتَيْنِ.

قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلُ فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ يُعَانِقَهُ) وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَانَقَ جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ» وَلَهُمَا مَا رُوِيَ

فَجُعِلَ زَوَالُ الْحِلِّ عَنْهَا بِالْكِتَابَةِ كَزَوَالِهِ بِالتَّزْوِيجِ فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى.

وَقَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلُ فَمَ الرَّجُلِ إلَخْ) وَاضِحٌ. وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ الْمُعَانَقَةِ فَقَالَ: أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه، كَانَ بِمَكَّةَ فَأَقْبَلَ إلَيْهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ بِالْأَبْطَحِ قِيلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَرْكَبَ فِي بَلْدَةٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، فَنَزَلَ وَمَشَى إلَى إبْرَاهِيمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ وَاعْتَنَقَهُ، فَكَانَ هُوَ أَوَّلَ مَنْ عَانَقَ. وَالشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ وَفَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ: الْمَكْرُوهُ مِنْ الْمُعَانَقَةِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ سَبَبٌ يُفْضِي إلَيْهَا، فَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَعَنْ سُفْيَانَ : تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ سُنَّةٌ، وَتَقْبِيلُ يَدِ غَيْرِهِ لَا يُرَخَّصُ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِيَامَ تَعْظِيمًا لِلْغَيْرِ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَكْرَهُ الْقِيَامَ» وَعَنْ الشَّيْخِ الْحَكِيمِ أَبِي الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ يَقُومُ وَيُعَظِّمُهُ وَلَا يَقُومُ لِلْفُقَرَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ. فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لِأَنَّ الْأَغْنِيَاءَ يَتَوَقَّعُونَ مِنِّي التَّعْظِيمَ، فَلَوْ تَرَكْت تَعْظِيمَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>