وَالْعَمُّ وَالصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ، لِأَنَّ اللَّائِقَ بِالْحِكْمَةِ فَتْحُ بَابِ مِثْلِهِ نَظَرًا لِلصَّبِيِّ فَيَمْلِكُ بِالْعَقْلِ وَالْوِلَايَةِ وَالْحِجْرِ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْفَاقِ.
قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُؤَاجِرَهُ، وَيَجُوزُ لِلْأُمِّ أَنْ تُؤَاجِرَ ابْنَهَا إذَا كَانَ فِي حِجْرِهَا وَلَا يَجُوزُ لِلْعَمِّ)؛ لِأَنَّ الْأُمَّ تَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ بِاسْتِخْدَامٍ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُلْتَقِطُ وَالْعَمُّ (وَلَوْ أَجَّرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ لَا يَجُوزُ)؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِالضَّرَرِ (إلَّا إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ)؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ تَمَحَّضَ نَفْعًا فَيَجِبُ الْمُسَمَّى وَهُوَ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ الرَّايَةَ) وَيَرْوُونَ الدَّايَةَ، وَهُوَ طَوْقُ الْحَدِيدِ الَّذِي يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ، وَهُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ الظَّلَمَةِ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةُ أَهْلِ النَّارِ فَيُكْرَهُ كَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ (وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَيِّدَهُ) لِأَنَّهُ سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي السُّفَهَاءِ وَأَهْلِ الدَّعَارَةِ فَلَا يُكْرَهُ فِي الْعَبْدِ تَحَرُّزًا عَنْ إبَاقِهِ وَصِيَانَةً لِمَالِهِ.
قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالْحُقْنَةِ يُرِيدُ بِهِ التَّدَاوِيَ) لِأَنَّ التَّدَاوِيَ مُبَاحٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ وَرَدَ
وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُؤَاجِرَ) هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ وَإِجَارَةُ الصِّغَارِ ظَاهِرًا فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فَالْأَوَّلُ عَلَى رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ كَمَا مَرَّ وَالثَّانِي عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ غَيَّرَ لَفْظَ الْكِتَابِ إلَى لَفْظِ الْأَظْآرِ كَمَا مَرَّ. وَمِنْهُمْ مَنْ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا فَحَمَلَ جَوَازَ إجَارَتِهِ عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ بِدَلِيلِ وُقُوعِهِ فِي النَّوْعِ الَّذِي فِيهِ تَعْدَادُ الضَّرُورَةِ وَعَدَمُ جَوَازِهَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرُورَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْعَمِّ) يَعْنِي وَإِنْ كَانَ فِي حَجْرِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ آجَرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ لَا يَجُوزُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ لَا يَلْزَمُ. وَقَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ يَعْنِي فِي بَابِ إجَارَةِ الْعَبْدِ.
وَقَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ الرَّايَةَ) رَايَةُ الْغُلَامِ غُلٌّ يُجْعَلُ فِي عِتْقِ الْغُلَامِ عَلَامَةً يُعْلَمُ بِهَا أَنَّهُ آبِقٌ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَأَمَّا الدَّايَةُ بِالدَّالِ فَغَلَطٌ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. قَالُوا: هَذَا كَانَ فِي زَمَانِهِمْ عِنْدَ قِلَّةِ الْإِبَاقِ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ خُصُوصًا فِي الْهُنُودِ.
وَقَوْلُهُ (يُرِيدُ بِهِ التَّدَاوِيَ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ أَرَادَ بِهِ التَّسْمِينَ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ. وَقَوْلُهُ وَقَدْ وَرَدَ بِإِبَاحَتِهِ: أَيْ بِإِبَاحَةِ التَّدَاوِي، الْحَدِيثُ. قَالَ ﷺ «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا خَلَقَ دَاءً إلَّا وَقَدْ خَلَقَ لَهُ دَوَاءً، إلَّا السَّامَ وَالْهَرَمَ» وَالْأَمْرُ بِالتَّوَكُّلِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَكُّلِ عِنْدَ اكْتِسَابِ الْأَسْبَابِ، ثُمَّ التَّوَكُّلُ بَعْدَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى دُونَ الْأَسْبَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَرْيَمَ ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يَرْزُقَهَا مِنْ غَيْرِ هَزٍّ، كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ﵀.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute