للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: مَا كَانَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ يَبْقَى بَعْدَ مَا يَبْلُغُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَفْسُدُ فَإِنِّي أَكْرَهُهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إلَّا أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: يَبْلُغُ: يَغْلِي وَيَشْتَدُّ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يَفْسُدُ: لَا يُحَمَّضُ وَوَجْهُهُ أَنَّ بَقَاءَهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَمَّضَ دَلَالَةُ قُوَّتِهِ وَشِدَّتِهِ فَكَانَ آيَةَ حُرْمَتِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ حَقِيقَةَ الشِّدَّةِ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيمَا يَحْرُمُ أَصْلُ شُرْبِهِ وَفِيمَا يَحْرُمُ السُّكْرُ مِنْهُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَأَبُو يُوسُفَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَمْ يُحَرِّمْ كُلَّ مُسْكِرٍ، وَرَجَعَ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا (وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدْنَى طَبْخَةٍ حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ إذَا شُرِبَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُسْكِرُهُ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَلَا طَرِبٍ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ حَرَامٌ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْمُثَلَّثِ الْعِنَبِيِّ

وَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالْخَلِيطَيْنِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ: سَقَانِي ابْنُ عُمَرَ شَرْبَةً مَا كِدْت أَهْتَدِي إلَى مَنْزِلِي فَغَدَوْت إلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَأَخْبَرْته بِذَلِكَ فَقَالَ: مَا زِدْنَاك عَلَى عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْخَلِيطَيْنِ وَكَانَ مَطْبُوخًا؛ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ حُرْمَةُ نَقِيعِ الزَّبِيبِ وَهُوَ النِّيءُ مِنْهُ، وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَالزَّبِيبِ وَالرُّطَبِ، وَالرُّطَبِ وَالْبُسْرِ» مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الشِّدَّةِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ.

قَالَ (وَنَبِيذُ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَنَبِيذُ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَطَرَبٍ لِقَوْلِهِ «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ، وَأَشَارَ إلَى الْكَرْمَةِ وَالنَّخْلَةِ» خَصَّ التَّحْرِيمَ بِهِمَا

وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُكْمِ، ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ الطَّبْخُ فِيهِ لِإِبَاحَتِهِ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ

وَقَوْلُهُ (وَقَالَ فِيهِ) يَعْنِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالْخَلِيطَيْنِ) الْخَلِيطَانِ مَاءُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا خُلِطَا فَطُبِخَا بَعْدَ ذَلِكَ أَدْنَى طَبْخَةٍ وَيُتْرَكُ إلَى أَنْ يَغْلِيَ وَيَشْتَدَّ. وَالْعَجْوَةُ: التَّمْرُ الَّذِي يَغِيبُ فِيهِ الضِّرْسُ لِجَوْدَتِهِ. وَقَوْلُهُ (مَحْمُولٌ عَلَى الشِّدَّةِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ) يَعْنِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ فِي وَقْتٍ كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ضِيقٌ وَشِدَّةٌ فِي أَمْرِ الطَّعَامِ لِئَلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>