للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ أَكَلَ مِنْ صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ هَذَا الصَّيْدُ)؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ الْجَهْلِ، وَلَا مَا يَصِيدُهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَصِيرَ مُعَلَّمًا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهَا فِي الِابْتِدَاءِ

وَأَمَّا الصُّيُودُ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ قَبْلُ فَمَا أَكَلَ مِنْهَا لَا تَظْهَرُ الْحُرْمَةُ فِيهِ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَمَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بِأَنْ لَمْ يَظْفَرْ صَاحِبُهُ بَعْدَ تَثَبُّتِ الْحُرْمَةِ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا هُوَ مُحْرَزٌ فِي بَيْتِهِ يَحْرُمُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا

هُمَا يَقُولَانِ: إنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى الْجَهْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ

دَلِيلٌ وَاضِحٌ لَهُمَا أُجِيبَ بِأَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ لَا يُعَارِضُ قَوْله تَعَالَى ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ، وَحِينَ أَكَلَ مِنْهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ «فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» وَقَوْلُهُ (عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهَا ابْتِدَاءً) أَرَادَ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَحِلُّ عِنْدَهُ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا إلَخْ، وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا الصَّيُودُ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ قَبْلُ) وَاضِحٌ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ فِي الْمُحْرَزِ الَّذِي لَمْ يُؤْكَلْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَحْكُمُ بِجَهْلِهِ مُسْتَنِدًا، وَهُمَا يَقُولَانِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا أُكِلَ، لِأَنَّ مَا أَحْرَزَهُ الْمَالِكُ حَكَمَ بِإِبَاحَتِهِ بِاجْتِهَادٍ وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهِ وَهُوَ الْإِحْرَازُ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ آخَرَ مِثْلِهِ بَعْدَهُ.

وَالْجَوَابُ مَا قَالَ، وَتَبَدُّلُ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْأَكْلُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ آخَرَ كَتَبَدُّلِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي قَبْلَ الْقَضَاءِ. وَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ صُوَرِهِ الْمُقَدَّرَةِ وَالْحُكْمُ فِيهِ كَاَلَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ إذَا تَصَادَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى جَهَالَةِ الْكَلْبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>