وَلِهَذَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ، وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْجَمَاعَةِ
(وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ مَا بَدَا لَهُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ) وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضِيقٌ تَرَكَهُ. قِيلَ هَذَا فِي غَيْرِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْفَجْرِ لِأَنَّ لَهُمَا زِيَادَةُ مَزِيَّةٍ، قَالَ ﵊ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ «صَلُّوهُمَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» وَقَالَ فِي الْأُخْرَى «مَنْ تَرَكَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي»
أَيْ صَارَ مُحْرِزًا لِثَوَابِ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ بِالْجَمَاعَةِ بِالِاتِّفَاقِ أَيْضًا بَيْنَهُمْ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَخْصِيصُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِإِدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ غَيْرَ مُفِيدٍ. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّهُ لِدَفْعِ مَا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجُمُعَةِ إنَّ مُدْرِكَ الْإِمَامِ فِي التَّشَهُّدِ لَيْسَ بِمُدْرِكٍ لِلْجُمُعَةِ فَيُتِمُّهَا أَرْبَعًا أَلَّا يُدْرِكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْأَقَلِّ فَكَمَا أَنَّ إدْرَاكَ الْأَقَلِّ حَرَمَهُ إدْرَاكَ الْجُمُعَةِ يَحْرِمُهُ إدْرَاكَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فَدَفَعَ هَذَا الْوَهْمَ بِتَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ. (وَقَوْلُهُ: وَلِهَذَا) تَفْرِيعٌ عَلَى ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ.
قَالَ فِي الْجَامِعِ: إذَا قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْجَمَاعَةِ فَسَبَقَ بِبَعْضِهَا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْكُلَّ بِهِمْ لِانْفِرَادِهِ بِالْبَعْضِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ أَدْرَكَ الصَّغِيرُ الظُّهْرَ حَنِثَ وَإِنْ أَدْرَكَهُمْ فِي التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ الْمُدْرِكَ لِآخِرِ الشَّيْءِ مُدْرِكٌ لِذَلِكَ الشَّيْءِ فَلَمَّا كَانَ مُدْرِكًا لِلْجَمَاعَةِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ كَانَ مُدْرِكًا لِثَوَابِهَا.
قَالَ (وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صُلِّيَ فِيهِ) إذَا فَاتَتْ الْجَمَاعَةُ رَجُلًا وَدَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ صُلِّيَ فِيهِ أَوْ أَرَادَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ (فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ مَا بَدَا لَهُ) مِنْ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَغَيْرِهَا (مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبَةِ لِئَلَّا يَفُوتَهُ الْفَرْضُ عَنْ وَقْتِهِ (قِيلَ هَذَا) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ، إنَّمَا هُوَ (فِي غَيْرِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْفَجْرِ)؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالنَّاسُ فِي خِيَرَةٍ بَيْنَ إتْيَانِهِ وَتَرْكِهِ فَإِذًا لَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ قَبْلَهُمَا. وَأَمَّا التَّطَوُّعُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ فَآكَدُ مِنْ ذَلِكَ (؛ لِأَنَّ لَهُمَا زِيَادَةَ مَزِيَّةٍ، قَالَ ﷺ «صَلُّوهُمَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ بِدَلِيلِ التَّأْكِيدِ بِقَوْلِهِ «وَإِنْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» (وَقَالَ ﷺ «مَنْ تَرَكَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» وَهُوَ وَعِيدٌ عَظِيمٌ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى وَكَادَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute