الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَهُوَ دَيْنٌ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا، وَلَئِنْ كَانَ لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ الْهَلَاكِ وَلَكِنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ، وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ رَهْنًا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ، وَلِهَذَا لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِهِ بِهَلَاكِهِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ، قَالَ (وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَتْ
الْأَصْلِيَّ فِيهَا هُوَ الْقِيمَةُ، وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَالْقِيمَةُ دَيْنٌ (وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا) أَيْ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونِ بِنَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ (وَلَئِنْ كَانَ لَا يَجِبُ الْقِيمَةُ إلَّا بَعْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ لَكِنْ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَجِبُ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبَ مِنْ الْمَالِكِ فَيَكُونُ رَهْنًا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ) جَوَابٌ عَمَّا اخْتَارَهُ بَعْضٌ آخَرُ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ قَدْ انْعَقَدَ فَكَانَ كَالْمَوْجُودِ فَصَحَّ الرَّهْنُ كَمَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ لَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الرَّهْنِ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِدَيْنٍ سَيَجِبُ كَمَا لَوْ قَالَ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ دُونَ الرَّهْنِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَا ذَابَ لَك إضَافَةٌ لِلْكَفَالَةِ لَا كَفَالَةٌ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ قَوْلُك دُونَ الرَّهْنِ يُرِيدُ بِهِ دَيْنًا مَا انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ أَوْ دَيْنًا انْعَقَدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ عَيْنُ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوْضِيحًا عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّخْرِيجَيْنِ. أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَتَقْرِيرُهُ وَلِكَوْنِ الْمُوجَبِ الْأَصْلِيِّ فِيهَا الْقِيمَةَ لَا تُبْطِلُ الْحَوَالَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونِ بِنَفْسِهِ بِهَلَاكِهِ، فَلَوْ أَحَالَ عَلَى الْغَاصِبِ فَهَلَكَ الْمَغْصُوبُ لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ لَمَّا كَانَ هَلَاكُ الْعَيْنِ كَلَا هَلَاكَ لِقِيَامِ الْقِيمَةِ فِي ذِمَّتِهِ، وَرَدُّ الْعَيْنِ كَانَ مُخَلِّصًا وَلَمْ يَحْصُلْ.
وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَتَقْرِيرُهُ وَلِكَوْنِ سَبَبِ وُجُوبِ الْقِيمَةِ قَدْ انْعَقَدَ جُعِلَتْ كَالْمَوْجُودِ فَبِهَلَاكِ الْعَيْنِ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ عَلَيْهَا لَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا لِأَنَّهُ لَا وُجُوبَ هُنَاكَ لِلْقِيمَةِ وَلَا سَبَبَ لِلْوُجُوبِ. قَالَ (وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ إلَخْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute