للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ مِنْ مُطَالِبٍ وَمُطَالَبٍ، وَكَذَا الْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ وَبِتَعَذُّرِ التَّضْمِينِ يَتَعَذَّرُ النَّقْضُ، وَقِيلَ: هَذِهِ فُرَيْعَةُ مَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ فَهَلَكَتْ ثُمَّ عَلِمَ بِالزِّيَافَةِ يُمْنَعُ الِاسْتِيفَاءُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ، غَيْرَ أَنَّ الْبِنَاءَ لَا يَصِحُّ مَا هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا فِيهَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي هَذَا مَعَ أَبِي يُوسُفَ

وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَبَضَ الزُّيُوفَ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ عَيْنِهَا، وَالزِّيَافَةُ لَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ، وَقَدْ تَمَّ بِالْهَلَاكِ وَقَبْضِ الرَّهْنِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الْقَبْضِ، وَقَدْ أَمْكَنَ عِنْدَهُ بِالتَّضْمِينِ، وَلَوْ انْكَسَرَ الْإِبْرِيقُ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ

لِمَا عُرِفَ أَنَّ بِقَبْضِ الرَّهْنِ يَثْبُتُ الِاسْتِيفَاءُ وَلَا يَنْتَقِضُ إلَّا بِالرَّدِّ، وَالْفَرْضُ عَدَمُهُ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ بِإِيجَابِ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُطَالِبٍ وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ مُتَعَنِّتًا لِطَلَبِهِ مَا يَضُرُّهُ، وَلَا الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ مُطَالِبٌ فَلَا يَكُونُ مُطَالَبًا، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَضْمِينُ الْإِنْسَانِ مِلْكَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ نَقْضُهُ تَعَذَّرَ التَّضْمِينُ. وَقَوْلُهُ (قِيلَ وَهَذِهِ فُرَيْعَةُ مَا إذَا إلَخْ) إنَّمَا يُتَصَوَّرُ جَعْلُهَا فُرَيْعَةَ تِلْكَ بِنَاءً عَلَى مَا رَوَى عِيسَى بْنُ أَبَانَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ. وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا فِيهَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي هَذِهِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ . وَقَوْلُهُ (وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ) يَعْنِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَيْ رَبَّ الدَّيْنِ قَبَضَ الزُّيُوفَ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْ عَيْنِهَا: أَيْ أَنْ يَكُونَ عَيْنُهَا مَقَامَ مَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَالزِّيَافَةُ لَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ وَقَدْ تَمَّ بِالْهَلَاكِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ قَبْضُ الرَّهْنِ لِيَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَكَانَ قَابِلًا لِرَدِّهِ بِالضَّمَانِ وَأَخْذِ مِثْلِ حَقِّهِ فَيَنْتَقِضُ الْقَبْضُ. وَوَجْهُ الْبِنَاءِ مَا قِيلَ إنَّ الزَّيْفَ مَقْبُوضٌ لِلِاسْتِيفَاءِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ لِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهُنَاكَ الْمُسْتَوْفِي إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِالْهَلَاكِ يَسْقُطُ حَقُّهُ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَكَانِ الْجَوْدَةِ فَكَذَا فِي الرَّهْنِ، وَعِنْدَهُمَا هُنَاكَ يَضْمَنُ مِثْلَ الْمُسْتَوْفَى وَيُقَامُ رَدُّ الْمِثْلِ مَقَامَ رَدِّ الْعَيْنِ لِمُرَاعَاةِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ فَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: وَلَكِنْ جَعْلُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُبْتَدَأَةً أَوْلَى، لِأَنَّهُ وَجَدَ هَاهُنَا لِلْمُرْتَهِنِ الرِّضَا بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ الرَّهْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لِعِلْمِهِ أَنَّ بِالْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَلَمْ يُوجَدْ ثَمَّةَ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ انْكَسَرَ الْإِبْرِيقُ) كَانَ الْكَلَامُ فِيمَا مَرَّ مِنْ حَيْثُ هَلَاكُ الرَّهْنِ وَهَاهُنَا مِنْ حَيْثُ انْكِسَارُهُ، وَلَوْ انْكَسَرَ الْإِبْرِيقُ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ لِأَنَّهُ إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَهَابِ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ مَعَ كَمَالِهِ وَهُوَ نُقْصَانٌ مِنْ جِهَةِ الرَّهْنِ، لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ: أَيْ الْمُرْتَهِنُ يَصِيرُ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِالْجَوْدَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ، فَإِنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>