للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِ مُحَمَّدٍ نَوْعُ طُولٍ يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَالزِّيَادَاتِ مَعَ جَمِيعِ شُعَبِهَا

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا بِعَيْنِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ إذَا بَاعَ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا مُعَيَّنًا حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَقُبِلَ

وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا، وَمِثْلُهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ وَالرَّهْنَ لِلِاسْتِيثَاقِ وَأَنَّهُ يُلَائِمُ الْوُجُوبَ، فَإِذَا كَانَ الْكَفِيلُ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ وَالرَّهْنُ مُعَيَّنًا اعْتَبَرْنَا فِيهِ الْمَعْنَى وَهُوَ مُلَائِمٌ فَصَحَّ الْعَقْدُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ وَلَا الْكَفِيلُ مُعَيَّنًا أَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا حَتَّى افْتَرَقَا لَمْ يَبْقَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ لِلْجَهَالَةِ فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِعَيْنِهِ فَيَفْسُدُ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا فَحَضَرَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَ صَحَّ (وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي عَنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ) وَقَالَ زُفَرُ: يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الرَّهْنِ فَيَلْزَمُهُ بِلُزُومِهِ

وَنَحْنُ نَقُولُ: الرَّهْنُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا جَبْرَ عَلَى التَّبَرُّعَاتِ (وَلَكِنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَرْكِ الرَّهْنِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ)؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ وَمَا رَضِيَ إلَّا بِهِ فَيَتَخَيَّرُ بِفَوَاتِهِ (إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (أَوْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا)؛ لِأَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ

فِي الْمَضْمُونِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ بِالِانْكِسَارِ، وَالِانْكِسَارُ عِنْدَهُ كَالْهَلَاكِ، وَفِي هَذَا الْفَصْلِ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الِانْكِسَارِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَيَتَخَيَّرُ الرَّاهِنُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى الدِّرْهَمَيْنِ وَقَعَ النُّقْصَانُ فِي الْأَمَانَةِ وَالرَّهْنِ، وَالْمَضْمُونُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ لَيْسَا بِحَدٍّ فَاصِلٍ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْفَاصِلُ نُقْصَانُ مِقْدَارِ الصِّنَاعَةِ كَائِنًا مَا كَانَ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الدِّرْهَمَانِ هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضَةٌ بِذَلِكَ.

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا بِعَيْنِهِ إلَخْ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَمْ يَبْقَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ لِلْجَهَالَةِ) يَعْنِي أَنَّ جَوَازَ الْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا مَعَ وُجُودِ الشَّرْطِ إنَّمَا كَانَ بِالنَّظَرِ إلَى مَعْنَاهُ، وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَالْكَفِيلُ غَائِبًا فَاتَ مَعْنَاهُ وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ رُبَّمَا يَأْتِي بِشَيْءٍ يُسَاوِي عُشْرَ حَقِّهِ أَوْ يُعْطِي كَفِيلًا غَيْرَ مَلِيءٍ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّوَثُّقِ شَيْءٌ فَبَقِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>