للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ لَا يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ

قَالَ (وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ فَلَهُ الْخِيَارُ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ بِالْقَبْضِ (فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ فَقَدْ مَاتَ بِالدَّيْنِ)؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَصَحَّ الْإِيفَاءُ (وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ وَبِدَيْنِهِ) أَمَّا بِالْقِيمَةِ فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ، وَأَمَّا بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّهُ انْتَقَضَ اقْتِضَاؤُهُ فَيَعُودُ حَقُّهُ كَمَا كَانَ

فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ بِرُجُوعِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ، وَالْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ يَثْبُتُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَرَارُ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ ابْتِدَاءً

قُلْنَا: هَذَا طَعْنُ أَبِي حَازِمٍ الْقَاضِي

وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ وَالْغُرُورُ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ بِالِانْتِقَالِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ كَأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ، وَالْمِلْكُ بِكُلِّ ذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَضْمَنُهُ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى الرَّهْنِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ إلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ

وَقَدْ طَوَّلْنَا الْكَلَامَ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى

مَنْ لَا يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ: أَيْ الْوَكِيلِ الَّذِي لَمْ تَكُنْ وَكَالَتُهُ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ وَبَيْنَ الْوَكَالَةِ الَّتِي بَعْدَ الْعَقْدِ فَقَالَ فِي الْوَكِيلِ الَّذِي كَانَتْ وَكَالَتُهُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ: يَرْجِعُ الْوَكِيلُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الرَّاهِنِ لَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذَا التَّوْكِيلِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ

(وَقَوْلُهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ بِالْقَبْضِ) يَعْنِي الرَّاهِنَ بِالتَّسْلِيمِ وَالْمُرْتَهِنَ بِالْقَبْضِ فَكَانَ كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ وَقَوْلُهُ (فَلِأَنَّهُ انْتَقَضَ اقْتِضَاؤُهُ) أَيْ قَبْضُهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَكُنْ مِلْكَ الرَّاهِنِ حَتَّى يَكُونَ بِهَلَاكِهِ مُسْتَوْفِيًا. وَقَوْلُهُ (طَعْنُ أَبِي خَازِمٍ) يَعْنِي هَذَا السُّؤَالَ طَعَنَ بِهِ أَبُو خَازِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَأَبُو خَازِمٍ هُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ بِبَغْدَادَ.

وَقَوْلُهُ (وَالْغُرُورُ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي بِقَوْلِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ بِالِانْتِقَالِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الرَّاهِنِ (كَأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ) أَيْ كَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ وَكِيلٌ عَنْ الرَّاهِنِ مِنْ حَيْثُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ مِنْهُ إلَيْهِ كَانْتِقَالِ الْمِلْكِ مِنْ الْوَكِيلِ إلَى الْمُوَكِّلِ (وَالْمِلْكُ بِكُلِّ ذَلِكَ) أَيْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالِانْتِقَالِ (مُتَأَخِّرٌ عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ) أَمَّا بِالتَّسْلِيمِ فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ غَيْرَ مِلْكِهِ. وَأَمَّا بِالِانْتِقَالِ فَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ غَاصِبٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ، فَإِذَا ضَمِنَ مَلَكَ الْمَضْمُونَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ انْتَقَلَ إلَيْهِ فَيَمْلِكُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُرْتَهِنُ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِهِ فَيَمْلِكُ الرَّهْنَ بَعْد ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ مِلْكُ الرَّهْنِ مُتَأَخِّرًا عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ فَكَأَنَّهُ رَهَنَ غَيْرَ مِلْكِهِ، وَلَا يُشْكِلُ إذَا اسْتَحَقَّ رَأْسَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَضَمِنَهُ الْمُضَارِبُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارَبَةُ نَافِذَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ مُتَأَخِّرًا عَنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ لِمَا ذَكَرْتُمْ أَنَّ الرُّجُوعَ بِالْغُرُورِ وَالْغُرُورَ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ بِالِانْتِقَالِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَلِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَنْشَأَ الْعَقْدَ بَعْدَ الرُّجُوعِ فَيَتَقَدَّرُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ لَيْسَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي مَا إذَا ضَمِنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَضْمَنُهُ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى الرَّهْنِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ إلَيْهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ طَوَّلْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى) قِيلَ مُرَادُهُ مَسْأَلَةَ الْمُضَارَبَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ. وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَأَبَقَ وَضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتَهُ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ وَبِالدَّيْنِ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ لِلرَّاهِنِ لِقَرَارِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>