وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إذَا بَاشَرَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ مُبْتَدَإٍ
(وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمُرْتَهِنِ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ)؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالرَّهْنِ حَقٌّ لَازِمٌ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الرَّهْنِ، أَمَّا بِالْعَارِيَّةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ فَافْتَرَقَا
(وَإِذَا اسْتَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ لِيَعْمَلَ بِهِ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ هَلَكَ عَلَى ضَمَانِ الرَّهْنِ) لِبَقَاءِ يَدِ الرَّهْنِ (وَكَذَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ) لِارْتِفَاعِ يَدِ الْعَارِيَّةِ (وَلَوْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ هَلَكَ بِغَيْرِ ضَمَانٍ) لِثُبُوتِ يَدِ الْعَارِيَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِيَدِ الرَّاهِنِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ (وَكَذَا إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِعْمَالِ) لِمَا بَيَّنَّاهُ
(وَمَنْ اسْتَعَارَ مِنْ غَيْرِهِ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ فَمَا رَهَنَهُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَهُوَ جَائِزٌ)؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَدِ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّبَرُّعِ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ وَهُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ ثُبُوتًا لِلْمُرْتَهِنِ كَمَا يَنْفَصِلُ زَوَالًا فِي حَقِّ الْبَائِعِ، وَالْإِطْلَاقُ وَاجِبُ الِاعْتِبَارِ خُصُوصًا فِي الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ (وَلَوْ عَيَّنَ قَدْرًا
وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إعَارَةِ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ أَجْنَبِيًّا (بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) وَجُمْلَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ سِتَّةٌ: الْعَارِيَّةُ، الْوَدِيعَةُ، وَالرَّهْنُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ فَالْعَارِيَّةُ تُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ هُوَ الرَّاهِنَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ إذَا هَلَكَ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ أَجْنَبِيًّا وَلَا يُرْفَعُ عَقْدُ الرَّهْنِ، وَحُكْمُ الْوَدِيعَةِ كَحُكْمِ الْعَارِيَّةِ، وَالرَّهْنُ يُبْطِلُ عَقْدَ الرَّهْنِ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَالْمُسْتَأْجِرُ إنْ كَانَ هُوَ الرَّاهِنَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعَارَ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَهُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنَ وَجَدَّدَ الْقَبْضَ لِلْإِجَارَةِ أَوْ أَجْنَبِيًّا بِمُبَاشَرَةِ أَحَدِهِمَا الْعَقْدَ بِإِذْنِ الْآخَرِ بَطَلَ الرَّهْنُ وَالْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ وَوِلَايَةُ الْقَبْضِ لِلْعَاقِدِ وَلَا يَعُودُ رَهْنًا إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ بِهِمَا إذَا كَانَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ بِمُبَاشَرَةِ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ، وَأَمَّا مِنْ الرَّاهِنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ
(وَقَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي فِي صُورَةِ الْعَارِيَّةِ، ثُمَّ لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْهَلَاكِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ.
قَالَ (وَمَنْ اسْتَعَارَ مِنْ غَيْرِهِ ثَوْبًا إلَخْ) وَمَنْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ فَالْمُعِيرُ إمَّا أَنْ يُطْلِقَ فِي ذَلِكَ أَوْ يُقَيِّدَهُ بِشَيْءٍ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَمَا رَهَنَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ جَائِزٌ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ وَكَانَ ذَلِكَ تَبَرُّعًا مِنْ الْمُعِيرِ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَدِ فَيُعْتَبَرُ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ جَمِيعًا بِأَنْ اسْتَأْذَنَ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنًا عَلَيْهِ بِمَالِهِ. فَإِنْ قِيلَ: اعْتِبَارٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صِحَّةُ ذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ فِيهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاتِّصَالَ غَيْرُ مَانِعٍ لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ ثُبُوتًا كَالصَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ مِلْكُ الْعَيْنِ دُونَ الْيَدِ، وَزَوَالًا كَالْبَائِعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ يَزُولُ مِلْكُ الْيَدِ دُونَ مِلْكِ الْعَيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُرْتَهِنِ مِلْكُ الْيَدِ دُونَ الْعَيْنِ. قَوْلُهُ (لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ) يَعْنِي الْمُنَازَعَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَإِنَّهَا هِيَ الْمُفْسِدَةُ لِلْعَقْدِ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَعَارَ ثَوْبًا وَأَطْلَقَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي سَوَاءٌ كَانَ التَّقْيِيدُ بِالْقَدْرِ أَوْ الْجِنْسِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْبَلَدِ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالْمُخَالَفَةِ لِصَيْرُورَتِهِ غَاصِبًا بِالتَّصَرُّفِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute