قَالَ (إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ أَوْ يُصَالِحُوا)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ ثُمَّ هُوَ وَاجِبٌ عَيْنًا، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَخْذُ الدِّيَةِ إلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ لَهُ حَقَّ الْعُدُولِ إلَى الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَرْضَاةِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ فَيَجُوزُ بِدُونِ رِضَاهُ، وَفِي قَوْلِ الْوَاجِبِ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ شُرِعَ جَابِرًا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ نَوْعُ جَبْرٍ فَيَتَخَيَّرُ
وَلَنَا مَا تَلَوْنَا مِنْ الْكِتَابِ وَرَوَيْنَا مِنْ السُّنَّةِ، وَلِأَنَّ الْمَالَ لَا يَصْلُحُ مُوجِبًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ، وَالْقِصَاصُ يَصْلُحُ لِلتَّمَاثُلِ، وَفِيهِ مَصْلَحَةُ الْأَحْيَاءِ زَجْرًا وَجَبْرًا فَيَتَعَيَّنُ، وَفِي الْخَطَإِ وُجُوبُ الْمَالِ ضَرُورَةَ صَوْنِ الدَّمِ عَنْ الْإِهْدَارِ،
الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ الْعَمْدِيَّةِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ هُوَ) يَعْنِي الْقَوَدَ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مِدْفَعًا لِلْهَلَاكِ) يَعْنِي لِأَنَّ الْقَاتِلَ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَاءِ الدِّيَةِ بَعْدَمَا اُسْتُحِقَّتْ نَفْسُهُ قِصَاصًا يُسَفَّهُ وَيُلْقِي نَفْسَهُ فِي التَّهْلُكَةِ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ وَيُمْنَعُ عَنْهُ شَرْعًا (وَلَنَا مَا تَلَوْنَا) مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ الْمَذْكُورُ فِيهِ فِيمَا هُوَ ضِدُّ الْخَطَأِ وَهُوَ الْعَمْدُ، وَلَمَّا تَعَيَّنَ بِالْعَمْدِ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ لِئَلَّا تَلْزَمَ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ بِالرَّأْيِ. وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي قَوْلِهِ الْعَمْدُ قَوَدٌ لِلْجِنْسِ، إذْ لَا مَعْهُودَ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، فَفِيهِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ جِنْسِ الْعَمْدِ ذَلِكَ، فَمَنْ عَدَلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ زَادَ عَلَى النَّصِّ أَثَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ فِي قَوْلِهِ: الْعَمْدُ قَوَدٌ لَا مَالَ فِيهِ إلَى ذَلِكَ. وَوَجْهُ الْمَعْقُولِ أَنَّ الْمَالَ لَا يَصْلُحُ مُوجَبًا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ، لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَالِكٌ مُبْتَذِلٌ وَالْمَالَ مَمْلُوكٌ مُبْتَذَلٌ فَأَنَّى يَتَمَاثَلَانِ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ مُوجَبًا لِلتَّمَاثُلِ، وَفِيهِ زِيَادَةُ حِكْمَةٍ وَهِيَ مَصْلَحَةُ الْإِحْيَاءِ زَجْرًا لِلْغَيْرِ عَنْ وُقُوعِهِ فِيهِ وَجَبْرًا لِلْوَرَثَةِ فَيَتَعَيَّنُ، فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ صَلَحَ مُوجَبًا فِي الْخَطَأِ وَالْفَائِتُ فِيهِ مِثْلُ الْفَائِتِ فِي الْعَمْدِ.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَفِي الْخَطَأِ وُجُوبُ الْمَالِ ضَرُورَةَ صَوْنِ الدَّمِ عَنْ الْإِهْدَارِ، فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ الِاقْتِصَاصُ فِيهِ هُدِرَ الدَّمُ لَوْ لَمْ يَجِبْ الْمَالُ وَالْآدَمِيُّ مُكَرَّمٌ لَا يَجِبُ إهْدَارُ دَمِهِ، عَلَى أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute