وَتَعَيُّنُهَا فِي الشَّرْعِ لِدَفْعِ الْأَدْنَى لَا يُعَيِّنُهَا لِدَفْعِ الْأَعْلَى
وَمِنْ حُكْمِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ لِقَوْلِهِ ﵊ «لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ»
قَالَ (وَشِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: إذَا ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ عَظِيمٍ أَوْ بِخَشَبَةٍ عَظِيمَةٍ فَهُوَ عَمْدٌ
وَشِبْهُ الْعَمْدِ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ يَتَقَاصَرُ مَعْنَى الْعَمْدِيَّةِ بِاسْتِعْمَالِ آلَةٍ صَغِيرَةٍ لَا يُقْتَلُ بِهَا غَالِبًا لِمَا أَنَّهُ يَقْصِدُ بِهَا غَيْرَهُ كَالتَّأْدِيبِ وَنَحْوِهِ فَكَانَ شِبْهَ الْعَمْدِ، وَلَا يَتَقَاصَرُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةٍ لَا تَلْبَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ إلَّا الْقَتْلَ كَالسَّيْفِ فَكَانَ عَمْدًا مُوجِبًا لِلْقَوَدِ
فِي الْمَنَاطِ وَهُوَ السَّتْرُ وَلَا مُعْتَبَرَ لِصِفَةِ الْعَمْدِيَّةِ كَالْمُحْرِمِ إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ عَمْدًا فَإِنَّهُ كَقَتْلِهِ خَطَأً.
فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مَمْنُوعَةٌ، فَإِنَّ ذَنْبَ الْعَمْدِ مِمَّا لَا يُسْتَرُ بِهَا لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لَعَلَّهَا كَمَا مَرَّ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ صِفَةِ الْعَمْدِيَّةِ وَهُوَ حَدِيثُ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِصَاحِبٍ لَنَا قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ، فَقَالَ: أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يُعْتِقُ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» وَإِيجَابُ النَّارِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اسْتَوْجَبَهَا بِشِبْهِ الْعَمْدِ كَالْقَتْلِ بِالْحَجَرِ أَوْ الْعَصَا الْكَبِيرَيْنِ. سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ لَا يُعَارِضُ إشَارَةَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾ فَإِنَّ الْفَاءَ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ كُلَّ الْجَزَاءِ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ لَكَانَ الْمَذْكُورُ بَعْضَهُ وَهُوَ خَلَفٌ
قَالَ (وَشِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَتْلِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀ شِبْهُ الْعَمْدِ هُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ سَوَاءٌ كَانَ الْهَلَاكُ بِهِ غَالِبًا كَالْحَجَرِ وَالْعَصَا الْكَبِيرَيْنِ وَمِدَقَّةِ الْقَصَّارِ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ. وَقَالَا: هُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا لَا يَحْصُلُ الْهَلَاكُ بِهِ غَالِبًا كَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ إذَا لَمْ يُوَالِ فِي الضَّرَبَاتِ. فَأَمَّا إذَا وَالَى فِيهَا فَقِيلَ شِبْهُ عَمْدٍ عِنْدَهُمَا وَقِيلَ عَمْدٌ مَحْضٌ، قَالَا: سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ شِبْهَ الْعَمْدِ لِاقْتِصَارِ مَعْنَى الْعَمْدِ فِيهِ وَإِلَّا لَكَانَ عَمْدًا، وَاقْتِصَارُهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي اسْتِعْمَالِ آلَةٍ لَا يُقْتَلُ بِهَا غَالِبًا كَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهُ يُقْصَدُ بِاسْتِعْمَالِهَا غَيْرُ الْقَتْلِ كَالتَّأْدِيبِ وَنَحْوِهِ. لَا فِي اسْتِعْمَالِ آلَةٍ لَا تَلْبَثُ فَإِنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِاسْتِعْمَالِهَا إلَّا الْقَتْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute