أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ الْمَالُ وَأَنَّهُ يَجِبُ بِعَقْدِهِ كَمَا يَجِبُ بِعَقْدِ الْأَبِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّشَفِّي وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَبِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِبْطَالِ فَهُوَ أَوْلَى
وَقَالُوا الْقِيَاسُ أَلَّا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ الِاسْتِيفَاءَ فِي الطَّرَفِ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ وَهُوَ التَّشَفِّي
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهُ بِمَنْزِلَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَالصَّبِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْتُوهِ فِي هَذَا، وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي الصَّحِيحِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ يَسْتَوْفِهِ السُّلْطَانُ، وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَتِهِ فِيهِ
قَالَ (وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ أَوْلِيَاءٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَلِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يُدْرِكَ الصِّغَارُ)؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ
عَمَّا دُونَهَا فَيَمْلِكُهُ. وَقَوْلُهُ (وَأَنَّهُ) أَيْ الْمَالُ يَجِبُ بِعَقْدِهِ أَيْ بِعَقْدِ الْوَصِيِّ
قَالَ (وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ أَوْلِيَاءٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ إلَخْ) إذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ صِغَارًا وَكِبَارًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ الْأَبُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَلَهُمْ الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا ﵏ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀. وَقَالَا: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يُدْرِكَ الصِّغَارُ وَوَجْهُهُمَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا ذُكِرَ. وَوَجْهُ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْغُيَّبِ مِنْ حَيْثُ احْتِمَالُ الْعَفْوِ فِي الْحَالِ وَعَدَمِهِ، فَإِنَّهُ فِي الْغَائِبِ مَوْهُومٌ فَالِاسْتِيفَاءُ يَقَعُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَفِي الصَّغِيرِ مَأْيُوسٌ حَالَ الِاسْتِيفَاءِ فَانْتَفَى الشُّبْهَةُ، وَإِذَا انْتَفَى الشُّبْهَةُ وَهُوَ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّى لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْقَرَابَةُ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَمَلًا كَالْوِلَايَةِ فِي الْإِنْكَاحِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ بِعَفْوِ أَحَدِهِمَا، كَمَا لَوْ تَعَدَّدَ الْقَتِيلُ وَعَفَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّ لِغَيْرِهِ وِلَايَةَ اسْتِيفَاءِ قِصَاصِ قَتِيلِهِ لَا مَحَالَةَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ، فَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ كَانَ ثَابِتًا سَاقِطًا وَهُوَ مُحَالٌ فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَيَنْقَلِبُ مَالًا نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَدَّدَ الْقَتِيلُ فَإِنَّ الْحَقَّ ثَمَّةَ مُتَعَدِّدٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute