وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ، وَقَدْ أَوْمَتْ إلَيْهِ إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ فِيهِ
وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ، وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ.
قَالَ (وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ) لِوُجُودِ السَّبَبِ وَعَدَمِ مَا يُبْطِلُ حُكْمَهُ فِي الظَّاهِرِ فَأُضِيفَ إلَيْهِ
قَالَ (وَإِذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ظَنَّ أَنَّهُ مُشْرِكٌ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ)؛ لِأَنَّ هَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَإِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَالْخَطَأُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَكَذَا الدِّيَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ نَصُّ الْكِتَابِ «وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَمَانِ أَبِي حُذَيْفَةَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﵊ بِالدِّيَةِ» قَالُوا: إنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ إذَا كَانُوا مُخْتَلَطِينَ، فَإِنْ كَانَ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ لَا تَجِبُ لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ بِتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ قَالَ ﵊ «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»
قَالَ (وَمَنْ شَجَّ نَفْسَهُ وَشَجَّهُ رَجُلٌ وَعَقَرَهُ أَسَدٌ وَأَصَابَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ ثُلُثُ الدِّيَةِ)؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَفِعْلُهُ بِنَفْسِهِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرٌ فِي الْآخِرَةِ حَتَّى يَأْثَمَ عَلَيْهِ
وَفِي النَّوَادِرِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ
وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا كَتَبْنَاهُ فِي كِتَابِ التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ فَلَمْ يَكُنْ هَدَرًا مُطْلَقًا وَكَانَ جِنْسًا آخَرَ، وَفِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ مُعْتَبَرٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ فَكَأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ فَيَكُونُ التَّالِفُ بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَوْلُهُ (وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ التَّحْرِيقُ بِالتَّحْرِيقِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، قَالَ ﷺ «لَا تُعَذِّبُوا أَحَدًا بِعَذَابِ اللَّهِ» (أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ وَقَدْ أَوْمَتْ) أَيْ أَشَارَتْ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى كَوْنِهِ مَحْمُولًا عَلَى السِّيَاسَةِ (إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ) حَيْثُ قَالَ غَرَّقْنَا وَلَمْ يَقُلْ غَرِّقُوهُ. وَقَوْلُهُ (وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ) مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَقَوْلُهُ (فِي الْكَفَّارَةِ) خَيَّرَهُ: يَعْنِي أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ إنَّمَا كَانَ فِي الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ عِنْدَهُ، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ
وَقَوْلُهُ (لِوُجُودِ السَّبَبِ) يَعْنِي سَفْكَ دَمٍ مَحْقُونٍ عَلَى التَّأْبِيدِ عَمْدًا (وَعَدَمُ مَا يُبْطِلُ حُكْمَهُ) يَعْنِي مِنْ عَفْوٍ أَوْ شُبْهَةٍ
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَأِ) يُرِيدُ بِهِ الْخَطَأَ فِي الْقَصْدِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الدِّيَةُ) مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى الْكَفَّارَةِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ) يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً﴾ الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ (وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ تَوَالَتْ رَوَى «أَنَّ سُيُوفَ الْمُسْلِمِينَ تَوَالَتْ عَلَى الْيَمَانِ أَبِي حُذَيْفَةَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِيِ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ فَقَتَلُوهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُشْرِكٌ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالدِّيَةِ فَوَهَبَهَا لَهُمْ حُذَيْفَةُ»
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ شَجَّ نَفْسَهُ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَفِعْلُهُ بِنَفْسِهِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا) يَعْنِي فَلَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الضَّمَانِ لِمَكَانِ الِاسْتِحَالَةِ وَالتَّنَافِي. وَقَوْلُهُ (يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) أَثَرُ كَوْنِ فِعْلِهِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ بِمَرَضٍ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ فِي نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ (وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ مُعْتَبَرَةٌ فَصَارَ كَالْبَاغِي. وَقَوْلُهُ (فَلَمْ يَكُنْ هَدَرًا مُطْلَقًا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرٌ فِي الْآخِرَةِ وَالْبَاقِي وَاضِحٌ