وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ مَعَ الْمُنَافِي لِتَحْقِيقِ الْإِحْيَاءِ وَقَدْ حَصَلَ بِقَتْلِهِ فَاكْتَفَى بِهِ. .
قَالَ: (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا مَاتَ سَقَطَ الْقِصَاصُ) لِفَوَاتِ مَحِلِّ الِاسْتِيفَاءِ فَأَشْبَهَ مَوْتَ الْعَبْدِ الْجَانِي، وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ إذْ الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ. .
قَالَ (وَإِذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقْطَعُ يَدَاهُمَا، وَالْمُفْرِضُ إذَا أَخَذَ سِكِّينًا وَأَمَرَّهُ عَلَى يَدِهِ حَتَّى انْقَطَعَتْ لَهُ الِاعْتِبَارُ بِالْأَنْفُسِ، وَالْأَيْدِي تَابِعَةٌ لَهَا فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا، أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِجَامِعِ الزَّجْرِ. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ بَعْضَ الْيَدِ، لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ حَصَلَ بِاعْتِمَادِيِّهِمَا وَالْمَحَلُّ مُتَجَزِّئٌ فَيُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَعْضُ فَلَا مُمَاثَلَةَ، بِخِلَافِ النَّفْسِ لِأَنَّ الِانْزِهَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ الِاجْتِمَاعِ غَالِبٌ حَذَارِ الْغَوْثِ، وَالِاجْتِمَاعُ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ مِنْ الْمِفْصَلِ فِي حَيِّزِ النُّدْرَةِ لِافْتِقَارِهِ إلَى مُقَدَّمَاتٍ بَطِيئَةٍ فَيَلْحَقُهُ الْغَوْثُ. قَالَ (وَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّهُ دِيَةُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ وَهُمَا قَطَعَاهَا.
(وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ فَحَضَرَا فَلَهُمَا أَنْ يَقْطَعَا يَدَهُ وَيَأْخُذَا مِنْهُ نِصْفَ الدِّيَةِ يَقْسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ سَوَاءٌ قَطَعَهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي التَّعَاقُبِ يُقْطَعُ بِالْأَوَّلِ، وَفِي الْقِرَانِ يُقْرَعُ لِأَنَّ الْيَدَ اسْتَحَقَّهَا الْأَوَّلُ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهَا لِلثَّانِي كَالرَّهْنِ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَفِي الْقِرَانِ الْيَدُ الْوَاحِدَةُ لَا تَفِي بِالْحَقَّيْنِ فَتُرَجَّحُ بِالْقُرْعَةِ. وَلَنَا أَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِهِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي التَّرِكَةِ، وَالْقِصَاصُ مِلْكُ الْفِعْلِ يَثْبُتُ مَعَ الْمُنَافِي فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ.
وَلِهَذَا إذَا حَلَفَ جَمَاعَةٌ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَقْتُلَ فُلَانًا فَاجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ حَنِثُوا (وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ مَعَ الْمُنَافِي) وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ «الْآدَمِيُّ بُنْيَانُ الرَّبِّ، مَلْعُونٌ مَنْ هَدَمَ بُنْيَانَ الرَّبِّ» (لِتَحْقِيقِ الْإِحْيَاءِ وَتَحْقِيقُ الْإِحْيَاءِ قَدْ حَصَلَ بِقَتْلِهِ) أَيْ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ (فَاكْتَفَى بِهِ) وَلَا شَيْءَ لَهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ) ظَاهِرٌ.
قَالَ (وَإِذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ إلَخْ) تَعَدُّدُ الْجَانِي فِي الْأَطْرَافِ لَيْسَ كَتَعَدُّدِهِ فِي النَّفْسِ عِنْدَنَا، فَإِذَا قَطَعَ يَدًا فَلَا قِصَاصَ أَصْلًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀ إنْ وَضَعَ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ مِنْ آخَرَ وَأَمَرَّا حَتَّى الْتَقَى السِّكِّينَانِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَقْطَعْ إلَّا بَعْضَ الْيَدِ فَلَا يُقْطَعُ بِهِ كُلُّ يَدِهِ، وَإِنْ أَخَذَا سِكِّينًا وَأَمَرَّاهَا عَلَى يَدِهِ حَتَّى انْقَطَعَتْ قُطِعَتْ أَيْدِيهِمَا اعْتِبَارًا بِالْأَنْفُسِ، إمَّا لِكَوْنِهَا تَابِعَةً لَهَا، وَإِمَّا أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِجَامِعِ الزَّجْرِ. وَلَنَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَاطِعٌ بَعْضَ الْيَدِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَحَلُّ مُتَّحِدًا أَوْ مُخْتَلِفًا، لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ مَا انْقَطَعَ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِفِعْلِ الْآخَرِ، وَقَاطِعُ بَعْضِ الْيَدِ لَا يُقْطَعُ كُلُّ يَدِهِ قِصَاصًا لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ مُتَجَزِّئٌ فَإِنَّ قَطْعَ بَعْضٍ وَتَرْكَ بَعْضٍ مُتَصَوَّرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ فَاعِلًا كَمَلًا، بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّ الِانْزِهَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ وَقَدْ مَرَّ، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ) قَيَّدَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَمِينَ أَحَدِهِمَا وَيَسَارَ الْآخَرِ قُطِعَتْ يَدَاهُ. لَا يُقَالُ: تَنْتَفِي الْمُمَاثَلَةُ حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ مَا فَوَّتَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ فَوَّتَاهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مَا اسْتَوْفَاهُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا زِيَادَةَ عَلَى حَقِّهِ. قَوْلُهُ (وَالْقِصَاصُ مِلْكُ الْفِعْلِ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي) يَعْنِي لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ حُرٌّ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْيَدَ اسْتَحَقَّهَا الْأَوَّلُ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكُ الْفِعْلِ ثَبَتَ ضَرُورَةَ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى شَغْلِ الْمَحَلِّ الْخَالِي بِتَجْزِئَتِهِ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ مَشْغُولًا لَمْ يَمْنَعْ عَنْ ثُبُوتِ الثَّانِي، بِخِلَافِ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْمَحَلِّ لِكَوْنِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute