وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ قَتْلًا بِالسِّرَايَةِ فَيَكُونُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ، وَمِلْكُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ ضَرُورِيٌّ لَا يَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ الْعَفْوِ أَوْ الِاعْتِيَاضِ لِمَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَظْهَرْ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَى لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْفُ وَمَا سَرَى، قُلْنَا: إنَّمَا يَتَبَيَّنُ كَوْنُهُ قَطْعًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِالْبُرْءِ حَتَّى لَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَبَرَأَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَإِذَا قَطَعَ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ وَلَوْ حَزَّ بَعْدَ الْبُرْءِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَالْأَصَابِعُ وَإِنْ كَانَتْ تَابِعَةً قِيَامًا بِالْكَفِّ فَالْكَفُّ تَابِعَةٌ لَهَا غَرَضًا، بِخِلَافِ الطَّرَفِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. .
قَالَ: (وَمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إذَا اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ يَضْمَنُ دِيَةَ النَّفْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَلَا يُمْكِنُ التَّقْيِيدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ بَابِ الْقِصَاصِ، إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ السِّرَايَةِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَصَارَ كَالْإِمَامِ وَالْبَزَّاغِ وَالْحَجَّامِ وَالْمَأْمُورِ بِقَطْعِ الْيَدِ. وَلَهُ أَنَّهُ قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَطْعِ وَهَذَا وَقَعَ قَتْلًا وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ ظُلْمًا كَانَ قَتْلًا. وَلِأَنَّهُ جُرْحٌ أَفْضَى إلَى فَوَاتِ الْحَيَاةِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ وَهُوَ مُسَمَّى الْقَتْلِ، إلَّا أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَوَجَبَ الْمَالُ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ إلَّا أَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِيهَا بِالْفِعْلِ، إمَّا تَقَلُّدًا كَالْإِمَامِ أَوْ عَقْدًا كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْهَا.
النَّفْسِ، وَذَلِكَ يُبَرِّئُ الْقَاطِعَ عَنْ الضَّمَانِ فَيَضْمَنَانِ لِإِيجَابِ الْبَرَاءَةِ لَهُ بَعْدَ عِلَّةِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَبْرَأَ غَرِيمَهُ عَنْ الدَّيْنِ ثُمَّ رَجَعُوا. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْمَالُ فِي الْحَالِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَمَّا اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ فِي الْحَالِ. وَقَوْلُهُ (وَمِلْكُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ ضَرُورِيٌّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا إنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ: يَعْنِي لَمَّا كَانَ مِلْكُ الْقِصَاصِ ضَرُورِيًّا لِثُبُوتِهِ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ كَمَا مَرَّ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ: اسْتِيفَاءُ النَّفْسِ بِالْقِصَاصِ، وَالْعَفْوُ، وَالِاعْتِيَاضُ لَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي الْقَائِلِ بِغَيْرِهَا، وَالْقَطْعُ مَقْصُودًا غَيْرَهَا فَيَكُونُ تَصَرُّفًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ.
وَقَوْلُهُ (فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ) يَعْنِي قَبْلَ التَّصَرُّفِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ يُرِيدُ بِهِ الْقَطْعَ (فَلَمْ يَظْهَرْ) يَعْنِي مِلْكَ الْقِصَاصِ (لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ) وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَى) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَكَذَا إذَا سَرَى. وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْفُ وَمَا سَرَى) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا أَوْ مَا عُفِيَ وَمَا سَرَى. وَقَوْلُهُ (الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ) يَعْنِي فَلَا يَكُونُ مُسْتَشْهَدًا بِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَصَابِعُ وَإِنْ كَانَتْ تَابِعَةً) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ قِصَاصٌ فِي الطَّرَفِ فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ عَفَا وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فَإِنَّهُمْ تَبَرَّعُوا بِالْفَرْقِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْأَسْرَارِ فَمَنَعَهُ وَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْأَصَابِعِ بَلْ يَلْزَمُهُ إذَا عَفَا عَنْ الْكَفِّ.
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إذَا اسْتَوْفَاهُ) وَاضِحٌ، وَقَدْ أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ قَبْلُ. وَقَوْلُهُ (فَصَارَ كَالْإِمَامِ) أَيْ الْقَاضِي إذَا قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَأْمُورُ بِقَطْعِ الْيَدِ) كَمَا إذَا قَالَ اقْطَعْ يَدِي فَفَعَلَ فَمَاتَ لَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ. وَقَوْلُهُ (فِي مَجْرَى الْعَادَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَوْتَ مِنْ الْجُرْحِ لَيْسَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِيهَا) (أَيْ فِي الْمَسَائِلِ) بِالْفِعْلِ إمَّا تَقَلُّدًا كَالْإِمَامِ فَإِنَّهُ إذَا تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ (أَوْ عَقْدًا) كَمَا مَرَّ فِي غَيْرِ الْإِمَامِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute