(ثُمَّ الْعَصْرُ يَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا، حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ وَلَمْ يُعِدْ الظُّهْرَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا يَفْسُدُ فَسَادًا بَاتًّا لَا جَوَازَ لَهُ بِحَالٍ) وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ.
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحَصِّلًا لِأَصْلِهِ فَكَانَ كَالْفَصْلِ الْمُنَوَّعِ فَيَبْطُلُ الْأَصْلُ بِبُطْلَانِهِ.
وَالثَّانِي أَنَّ وَصْفَ الْفَرْضِيَّةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَدْخَلٌ فِيمَا انْعَقَدَتْ التَّحْرِيمَةُ لِأَجْلِهِ أَوْ لَا؟ لَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ ظَرْفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ بِوَصْفٍ يَحْصُلُ بِهِ تَعَيُّنُ مَا أَحْرَمَ لَهُ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ لَجَازَ الْإِحْرَامُ بِدُونِ التَّعْيِينِ فَلَا يَثْبُتُ تَفْرِيغُ الذِّمَّةِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ فَكَانَ جُزْءًا وَالْكُلُّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَصْفَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحَصَّلًا؛ لِأَنَّ الْمُحَصَّلَ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ وَالْوَصْفُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَوْصُوفِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ لِلْمَوْصُوفِ مَدْخَلًا لِمَا انْعَقَدَتْ بِهِ التَّحْرِيمَةُ لَا مِنْ حَيْثُ تَحْصِيلُهُ حَتَّى يَكُونَ جُزْءًا بَلْ مِنْ حَيْثُ نَفْيُ غَيْرِهِ مِمَّا يُزَاحِمُهُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْكُلِّ (ثُمَّ) إذَا فَسَدَ (الْعَصْرُ يَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ وَلَمْ يُعِدْ الظُّهْرَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا وَقَالَا فَسَادًا بَاتًّا لَا جَوَازَ لَهُ بِحَالٍ)؛ لِأَنَّ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ حُكْمُ الْكَثْرَةِ، وَكُلُّ مَا هُوَ حُكْمٌ لِعِلَّةٍ يَتَأَخَّرُ عَنْ عِلَّتِهِ، فَسُقُوطُ التَّرْتِيبِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَقَعُ مِنْ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الْكَثْرَةِ لَا فِيمَا قَبْلَهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَثْرَةَ عِلَّةٌ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ وَقَدْ حَصَلَتْ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا السُّقُوطُ، وَهِيَ كَمَا جَازَ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً لِمَا سَيَأْتِي مِنْ الصَّلَوَاتِ جَازَ أَنْ تَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ آحَادِهَا. لَا يُقَالُ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ آحَادِهَا جُزْؤُهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا فَكَيْفَ يَكُونُ مَعْلُولًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا جُزْؤُهَا مِنْ حَيْثُ الْوُجُودُ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ، وَذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا قَبْلَ الْكَثْرَةِ.
وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ مَعْنًى مَعْقُولٌ. وَثُبُوتُ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَفَسَادِهَا بِطَرِيقِ التَّبْيِينِ غَيْرُ عَزِيزٍ فِي الشَّرْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِعَرَفَاتٍ يَتَوَقَّفُ، فَإِنْ أَفَاضَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ تَنْقَلِبُ صَلَاتُهُ نَفْلًا وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا مَعَ الْعِشَاءِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ، وَإِنْ لَمْ يُفِضْ إلَيْهَا بَلْ تَوَجَّهَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ إلَى مَكَّةَ صَحَّتْ، وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ سَعَى إلَيْهَا قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ انْقَلَبَتْ الظُّهْرُ نَفْلًا وَإِلَّا بَقِيَتْ فَرْضًا، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَادَةُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا دُونَ عَادَتِهَا وَصَلَّتْ ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً، وَإِنْ لَمْ يُعَاوِدْهَا كَانَتْ صَحِيحَةً. وَقَوْلُهُ: (وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ) يَعْنِي فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute