وَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَالْجَمَالِ وَالْعَمَلِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ الْآدَمِيَّ وَقَدْ تُمْسَكُ لِلْأَكْلِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ الْمَأْكُولَاتِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِشَبَهِ الْآدَمِيِّ فِي إيجَابِ الرُّبْعِ وَبِالشَّبَهِ الْآخَرِ فِي نَفْيِ النِّصْفِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا الْمُسْتَعْمِلِ فَكَأَنَّهَا ذَاتُ أَعْيُنٍ أَرْبَعَةٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ إحْدَاهَا.
قَالَ (وَمَنْ سَارَ عَلَى دَابَّةٍ فِي الطَّرِيقِ فَضَرَبَهَا رَجُلٌ أَوْ نَخَسَهَا فَنَفَحَتْ رَجُلًا أَوْ ضَرَبَتْهُ بِيَدِهَا أَوْ نَفَرَتْ فَصَدَمَتْهُ فَقَتَلَتْهُ كَانَ ذَلِكَ عَلَى النَّاخِسِ دُونَ الرَّاكِبِ) هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ ﵄، وَلِأَنَّ الرَّاكِبَ وَالْمَرْكَبَ مَدْفُوعَانِ بِدَفْعِ النَّاخِسِ فَأُضِيفَ فِعْلُ الدَّابَّةِ إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِيَدِهِ، وَلِأَنَّ النَّاخِسَ مُتَعَدٍّ فِي تَسْبِيبِهِ وَالرَّاكِبُ فِي فِعْلِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهُ فِي التَّغْرِيمِ لِلتَّعَدِّي، حَتَّى لَوْ كَانَ وَاقِفًا دَابَّتَهُ عَلَى الطَّرِيقِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ
اللَّحْمُ وَفَقْءُ الْعَيْنِ لَا يُفَوِّتُهُ بَلْ هُوَ عَيْبٌ يَسِيرٌ فَيَلْزَمُ نُقْصَانُ الْمَالِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِهَا) دَلِيلٌ آخَرُ. وَهُوَ أَيْضًا وَاضِحٌ لَكِنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْأَوَّلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَيْنَيْنِ لَا يُضْمَنَانِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، كَذَا قَالَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ﵀، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْمُولَ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ النَّصُّ وَهُوَ وَرَدَ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ (أَوْ نَخَسَهَا) يَعْنِي بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاكِبِ وَالنَّخْسُ هُوَ الطَّعْنُ، وَمِنْهُ نَخَّاسُ الدَّوَابِّ دَلَّالُهَا. فَإِنْ قِيلَ: الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ لِكَوْنِهِ مُبَاشِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا لِأَنَّ التَّعَدِّيَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ الشَّرِكَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ يُتْرَكُ بِالْأَثَرِ، وَفِيهِ أَثَرُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ ﵄، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ ﵀ إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ الرَّاكِبَ وَالْمُرْكَبَ مَدْفُوعَانِ بِدَفْعِ النَّاخِسِ، لِأَنَّ فِعْلَ الرَّاكِبِ قَدْ انْتَقَلَ إلَى الدَّابَّةِ لِأَنَّ الْوَثْبَةَ الْمُهْلِكَةَ إنَّمَا كَانَتْ مِنْهَا فَكَانَ مُضْطَرًّا فِي حَرَكَتِهِ، وَفِعْلُ الدَّابَّةِ قَدْ انْتَقَلَ إلَى النَّاخِسِ لِكَوْنِهِ الْحَامِلَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ مُلْجِئًا فَكَانَ النَّاخِسُ بِمَنْزِلَةِ الدَّافِعِ لِلدَّابَّةِ وَالرَّاكِبِ مَعًا عَلَى مَا فَعَلَ فِي الدَّابَّةِ، وَالْمَدْفُوعُ إلَى الشَّيْءِ وَإِنْ كَانَ مُبَاشِرًا لَا يُعْتَبَرُ مُبَاشِرًا كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ الْكَامِلِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ إنْ فُرِضَ مُبَاشِرًا وَلَا التَّسْبِيبُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ التَّعَدِّيَ وَهُوَ مَفْقُودٌ. فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُ النَّفْحَةِ أَوْجَبَتْ الضَّمَانَ عَلَى النَّاخِسِ دُونَ الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ أَيْضًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ ﵏ وَهِيَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا لَا تُوجِبُهُ عَلَى السَّائِقِ إذَا كَانَ بِالْإِذْنِ وَهَاهُنَا بِلَا إذْنٍ، فَلَوْ نَخَسَ وَهُوَ مَأْذُونٌ كَانَ سَائِقًا، وَإِمْكَانُ التَّحَرُّزِ إنَّمَا يُمْكِنُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُتَعَدِّي وَغَيْرُ الْمَأْذُونِ بِذَلِكَ مُتَعَدٍّ فَلَا يُعْتَبَرُ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ النَّاخِسَ مُتَعَدٍّ فِي تَسْبِيبِهِ) دَلِيلٌ آخَرُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الرَّاكِبَ إنْ كَانَ فِعْلُهُ مُعْتَبَرًا فَهُوَ مُبَاشِرٌ وَالتَّعَدِّي لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute