للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَعْتَقَهُ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالْعَبْدُ صُلْحٌ بِالْجِنَايَةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الرِّوَايَةِ. وَهَذَا الْوَضْعُ يَرِدُ إشْكَالًا فِيمَا إذَا عَفَا عَنْ الْيَدِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ هُنَالِكَ، وَهَاهُنَا قَالَ يَجِبُ. قِيلَ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا جَوَابُ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ الْوَضْعَانِ جَمِيعًا عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ. وَقِيلَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ صَحَّ ظَاهِرًا لِأَنَّ الْحَقَّ كَانَ لَهُ فِي الْيَدِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَيَصِحُّ الْعَفْوُ ظَاهِرًا، فَبَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ بَطَلَ حُكْمًا يَبْقَى مَوْجُودًا حَقِيقَةً فَكَفَى ذَلِكَ لِمَنْعِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ.

أَمَّا هَاهُنَا الصُّلْحُ لَا يُبْطِلُ الْجِنَايَةَ بَلْ يُقَرِّرُهَا حَيْثُ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ، فَإِذَا لَمْ يُبْطِلْ الْجِنَايَةَ لَمْ تَمْتَنِعْ الْعُقُوبَةُ، هَذَا إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ، أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَالتَّخْرِيجُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.

قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ جِنَايَةً وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ: قِيمَةٌ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ، وَقِيمَةٌ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِكُلِّ الْقِيمَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ: الدَّفْعُ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَالْبَيْعُ لِلْغُرَمَاءِ، فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ إيفَاءً مِنْ الرَّقَبَةِ الْوَاحِدَةِ بِأَنْ

وَذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ هَذَا الْكِتَابِ: أَيْ كِتَابِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْوَضْعِ، وَسَاقَ الْكَلَامَ مِثْلَ مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَبَعْضُ الشَّارِحِينَ عَبَّرَ عَنْ النُّسْخَةِ الْأُولَى بِالنُّسْخَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَعَنْ الثَّانِيَةِ بِغَيْرِ الْمَعْرُوفَةِ. وَقَوْلُهُ (إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ رُدَّ إلَى مَوْلَاهُ وَيُجْعَلُ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى خِيَرَتِهِمْ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْعَفْوِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا الْوَضْعُ يَرِدُ إشْكَالًا) قِيلَ أَيْ الْوَضْعُ الثَّانِي وَهُوَ النُّسْخَةُ الْغَيْرُ الْمَعْرُوفَةُ، وَإِنَّمَا خَصَّ هَذَا الْوَضْعَ بِوُرُودِ الْإِشْكَالِ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْعَبْدَ فِي هَذَا الْوَضْعِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ وَالصُّلْحُ مُتَضَمِّنٌ لِلْعَفْوِ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْحَطِيطَةِ فَيَكُونُ هَذَا نَظِيرَ الْعَفْوِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَضْعُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الدَّفْعَ ثَمَّةَ لَيْسَ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ بَلْ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَطُّ شَيْءٍ فَلَا يَرِدُ إشْكَالًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْعَفْوِ، وَقِيلَ هَذَا الْوَضْعُ: أَيْ وَضْعُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي النُّسْخَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَغَيْرِهَا يَرِدُ إشْكَالًا فِيمَا إذَا عَفَا عَنْ الْيَدِ وَسَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ هُنَاكَ، وَهَاهُنَا قَالَ يَجِبُ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا ذَكَرَ هَاهُنَا مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ جَوَابُ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ الْوَضْعَانِ جَمِيعًا عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ: يَعْنِي وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى النُّسْخَتَيْنِ جَوَابُ الْقِيَاسِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَفْوِ وُجُوبُ الدِّيَةِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَفِي الْقِيَاسِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فَكَانَ الْوَضْعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتِلْكَ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ، فَانْدَفَعَ التَّدَافُعُ وَحَصَلَ التَّوَافُقُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَهُوَ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ صَحَّ ظَاهِرًا، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ كَانَ فِي الْيَدِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ (فَيَصِحُّ الْعَفْوُ ظَاهِرًا) وَتَبْطُلُ بِهِ الْجِنَايَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهَا يُبْطِلُهَا (فَبَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ بَطَلَ الْعَفْوُ بِالسِّرَايَةِ حُكْمًا يَبْقَى مَوْجُودًا حَقِيقَةً) وَذَلِكَ كَافٍ لِمَنْعِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ (أَمَّا هَاهُنَا فَالصُّلْحُ لَا يُبْطِلُ الْجِنَايَةَ بَلْ يُقَرِّرُهَا حَيْثُ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ، فَإِذَا لَمْ تَمْتَنِعْ الْجِنَايَةُ لَمْ يَمْتَنِعْ الْعُقُوبَةُ، هَذَا إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ، أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَالتَّخْرِيجُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ إلَخْ.

وَقَوْلُهُ (فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ وَقِيمَةٌ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ.

وَقَوْلُهُ (أَتْلَفَ حَقَّيْنِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونًا بِكُلِّ الْقِيمَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ كَوْنُهُ كَذَلِكَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا مُتَنَافِيَيْنِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ لِيَكُونَ الْإِتْلَافُ وَارِدًا عَلَيْهِمَا. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ أَيْضًا مِنْ الرَّقَبَةِ الْوَاحِدَةِ بِأَنْ يُدْفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ فَيَكُونُ الْإِتْلَافُ وَارِدًا عَلَيْهِمَا فَيَضْمَنُهُمَا بِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى وَعَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>