السِّرَايَةُ مُضَافَةً إلَى الْبِدَايَةِ فَصَارَ الْمَوْلَى مُتْلِفًا فَيَصِيرُ مُسْتَرِدًّا، كَيْفَ وَأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَهُوَ اسْتِرْدَادٌ فَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ عَنْ الضَّمَانِ.
قَالَ (وَإِذَا غَصَبَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ) لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ.
قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ أَعْجَزَ نَفْسَهُ عَنْ الدَّفْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فَيَصِيرُ مُبْطِلًا حَقَّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ إذْ حَقُّهُمْ فِيهِ وَلَمْ يَمْنَعْ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً فَلَا يُزَادُ عَلَى قِيمَتِهَا، وَيَكُونُ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمُوجَبِ. قَالَ (وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْبَدَلِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعَبْدِ بِهَذَا السَّبَبِ.
السِّرَايَةُ مُضَافَةً إلَى الْبِدَايَةِ فَصَارَ الْمَوْلَى مُتْلِفًا فَيَصِيرُ مُسْتَرِدًّا) وَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُسْتَرِدًّا (وَأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَهُوَ اسْتِرْدَادٌ فَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ عَنْ الضَّمَانِ) وَاعْتَرَضَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ بِأَنَّ هَذَا يُخَالِفُ مَذْهَبَنَا؛ فَإِنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ مَا لَمْ يَمْلِكْ الْبَدَلَ عَلَى الْغَاصِبِ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِهِ بِاعْتِبَارِ تَبَدُّلِ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يَتَبَدَّلُ الْمِلْكُ بِهِ إذَا مَلَكَ الْبَدَلَ عَلَى الْغَاصِبِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا. قَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي آخِرِ رَهْنِ الْجَامِعِ الثَّانِي مِنْ جِنَايَاتِهِ، إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا ضَمَّنَ الْغَاصِبَ هُنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ أَقْطَعَ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ وَإِنْ لَمْ تَنْقَطِعْ فَالْغَصْبُ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَانْعَقَدَ سَبَبُ الضَّمَانِ فَلَا يَبْرَأُ عَنْهُ الْغَاصِبُ إلَّا إذَا ارْتَفَعَ الْغَصْبُ وَلَمْ يَرْتَفِعْ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَرْتَفِعُ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ، وَيَدُ الْغَاصِبِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمَغْصُوبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَيَدُ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ السِّرَايَةِ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْغَصْبِ لَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَى الْعَبْدِ حَقِيقَةً، وَالثَّابِتُ حُكْمًا دُونَ الثَّابِتِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْغَصْبُ بِاتِّصَالِ السِّرَايَةِ إلَى فِعْلِ الْمَوْلَى فَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ ثَابِتَةٌ حُكْمًا، فَإِنَّ يَدَ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا، وَلَا تَثْبُتُ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ يَدَانِ حُكْمِيَّتَانِ بِكَمَالِهِمَا، وَالْيَدُ الْحَقِيقِيَّةُ وَاجِبَةُ الرَّفْعِ لِكَوْنِهَا عُدْوَانًا لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا وَلَا مُرَجِّحًا.
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا غَصَبَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ) يَعْنِي فِي حَالِ رِقِّهِ، وَأَمَّا فِي أَقْوَالِهِ؛ فَإِنْ كَانَ فِيمَا يُوجِبُ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْمَالُ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي رِقِّهِ، وَإِنَّمَا يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ غَصَبَ مُدَبَّرًا) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ)؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ التَّدْبِيرِ بِجِنَايَةٍ تَحْدُثُ مِنْ الْمُدَبَّرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَصَارَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِ الْعَبْدِ الْجَانِي مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِجِنَايَتِهِ؛ فَإِنَّ فِيهِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ فَكَذَا هَذَا. وَقَوْلُهُ (فَيَصِيرُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعَبْدِ بِهَذَا السَّبَبِ) أَيْ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ كَمَا إذَا غَصَبَ عَبْدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute