للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعَقْلَ وَهُوَ الدِّيَةُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الدِّيَاتِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ لِلْأَوْلِيَاءِ «قُومُوا فَدُوهُ» وَلِأَنَّ النَّفْسَ مُحْتَرَمَةٌ لَا وَجْهَ إلَى الْإِهْدَارِ وَالْخَاطِئُ مَعْذُورٌ، وَكَذَا الَّذِي تَوَلَّى شِبْهَ الْعَمْدِ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ فَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ، وَفِي إيجَابِ مَالِ عَظِيمٍ إجْحَافُهُ وَاسْتِئْصَالُهُ فَيَصِيرُ عُقُوبَةً فَضَمَّ إلَيْهِ الْعَاقِلَةَ تَحْقِيقًا لِلتَّخْفِيفِ. وَإِنَّمَا خُصُّوا بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَرَ لِقُوَّةٍ فِيهِ وَتِلْكَ بِأَنْصَارِهِ وَهُمْ الْعَاقِلَةُ فَكَانُوا هُمْ الْمُقَصِّرِينَ فِي تَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتِهِ فَخُصُّوا بِهِ.

قَالَ (وَالْعَاقِلَةُ أَهْلُ الدِّيوَانِ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ يُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) وَأَهْلُ الدِّيوَانِ أَهْلُ الرَّايَاتِ وَهُمْ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَتْ أَسَامِيهمْ فِي الدِّيوَانِ وَهَذَا عِنْدَنَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْعَشِيرَةِ لِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ وَلِأَنَّهُ صِلَةٌ وَالْأَوْلَى بِهَا الْأَقَارِبُ. وَلَنَا قَضِيَّةُ عُمَرَ فَإِنَّهُ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ جَعَلَ الْعَقْلَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَسْخٍ بَلْ هُوَ تَقْرِيرُ مَعْنًى لِأَنَّ الْعَقْلَ كَانَ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ وَقَدْ كَانَتْ بِأَنْوَاعٍ: بِالْقَرَابَةِ وَالْحِلْفِ وَالْوَلَاءِ وَالْعَدِّ.

وَفِي عَهْدِ عُمَرَ قَدْ صَارَتْ بِالدِّيوَانِ فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِهِ اتِّبَاعًا لِلْمَعْنَى وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ كَانَ الْيَوْمَ قَوْمٌ تَنَاصُرُهُمْ بِالْحِرَفِ فَعَاقِلَتُهُمْ أَهْلُ الْحِرْفَةِ، وَإِنْ كَانَ بِالْحِلْفِ فَأَهْلُهُ وَالدِّيَةُ صِلَةٌ كَمَا قَالَ، لَكِنَّ إيجَابَهُمْ فِيمَا هُوَ صِلَةٌ وَهُوَ الْعَطَاءُ أَوْلَى مِنْهُ فِي أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ، وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ

وَقَوْلُهُ (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي الدِّيَةَ بِتَأْوِيلِ الْعَقْلِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الَّذِي تَوَلَّى شِبْهَ الْعَمْدِ) وَهُوَ الَّذِي ضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ الصَّغِيرِ حَتَّى قَتَلَهُ.

وَقَوْلُهُ (وَفِي إيجَابِ مَالٍ عَظِيمٍ إجْحَافُهُ) فَسَّرَ الْإِجْحَافَ بِقَوْلِهِ وَاسْتِئْصَالُهُ. وَقَوْلُهُ (إنَّمَا قَصَرَ) يَعْنِي: أَنَّ الْقَاتِلَ إنَّمَا قَصَرَ حَالَةَ الرَّمْيِ فِي التَّثَبُّتِ وَالتَّوَقُّفِ. وَقَوْلُهُ (وَتِلْكَ) أَيْ الْقُوَّةُ، وَقَوْلُهُ (كَتَبَ أَسَامِيهمْ فِي الدِّيوَانِ) الدِّيوَانُ: الْجَرِيدَةُ، مِنْ دَوَّنَ الْكُتُبَ إذَا جَمَعَهَا؛ لِأَنَّهَا قِطَعٌ مِنْ الْقَرَاطِيسِ مَجْمُوعَةٌ. وَيُرْوَى أَنَّ عُمَرَ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ: أَيْ رَتَّبَ الْجَرَائِدَ لِلْوُلَاةِ وَالْقَضَاءِ، وَيُقَالُ فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ: أَيْ مِمَّنْ أَثْبَتَ اسْمَهُ فِي الْجَرِيدَةِ. وَقَوْلُهُ (مِنْ عَطَايَاهُمْ) الْعَطَاءُ اسْمُ مَا يُعْطَى وَالْجَمْعُ أَعْطِيَةٌ، وَالْعَطَايَا جَمْعُ عَطِيَّةٍ وَهُوَ بِمَعْنَى الْعَطَاءِ، وَقَوْلُهُ (وَذَلِكَ لَيْسَ بِنَسْخٍ بَلْ هُوَ تَقْرِيرُ مَعْنًى) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ (بِالْحَلِفِ) الْحَلِفُ بِكَسْرِ الْحَاءِ: الْعَهْدُ بَيْنَ الْقَوْمِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَحَالَفُوا عَلَى التَّنَاصُرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ وَقَوْلُهُ (وَالْوَلَاءِ) أَيْ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ.

وَقَوْلُهُ (وَالْعَدِّ) هُوَ مِنْ الْعَدِيدِ وَهُوَ أَنْ يُعَدَّ فِيهِمْ يُقَالُ فُلَانٌ عَدِيدُ بَنِي فُلَانٍ إذَا عُدَّ فِيهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>