للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُلْنَا: إيجَابُ الْكُلِّ إجْحَافٌ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ إيجَابُ الْجُزْءِ، وَلَوْ كَانَ الْخَاطِئُ مَعْذُورًا فَالْبَرِيءُ مِنْهُ أَوْلَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾

(وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ حَظٌّ فِي الدِّيوَانِ عَقْلٌ) لِقَوْلِ عُمَرَ : لَا يَعْقِلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ، وَلِأَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لِتَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ، وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ، لِأَنَّ وُجُوبَ جُزْءٍ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَحَدُ الْعَوَاقِلِ لِأَنَّهُ يَنْصُرُ نَفْسَهُ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِيهِمَا، وَالْفَرْضُ لَهُمَا مِنْ الْعَطَاءِ لِلْمَعُونَةِ لَا لِلنُّصْرَةِ كَفَرْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ.

(وَلَا يَعْقِلُ أَهْلُ مِصْرٍ عَنْ مِصْرٍ آخَرَ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ

كَمَا لَا تَجِبُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ .

قَالَ (وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ حَظٌّ فِي الدِّيوَانِ عَقْلٌ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ) قِيلَ إنَّهُ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا قَبْلَ الْمَعَاقِلِ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ امْرَأَةٍ حَيْثُ أَدْخَلَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ هُنَاكَ فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ مَعَ الْعَاقِلَةِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً حَقِيقَةً وَهُنَاكَ تَقْدِيرُ قَاتِلَةٍ بِسَبَبٍ وُجُوبِ الْقَسَامَةِ، لَا يُقَالُ: إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ وَهِيَ قَاتِلَةٌ حَقِيقَةً فَلَأَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْهَا وَهِيَ قَاتِلَةٌ تَقْدِيرًا أَوْلَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْقَسَامَةُ تَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْمُقْسِمِ، إمَّا بِالِاسْتِقْلَالِ أَوْ بِالدُّخُولِ فِي الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا بِالِاسْتِقْرَاءِ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْمَلْزُومُ فَيَتَحَقَّقُ اللَّازِمُ بِخِلَافِ الْقَتْلِ مُبَاشَرَةً فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَسْتَلْزِمُ الدِّيَةَ. فَإِنْ قُلْت: هَذَا الْجَوَابُ يَنْبَنِي عَلَى إيجَابِ الْقَسَامَةِ عَلَيْهَا وَفِي ذَلِكَ تَنَاقُضٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذَا: وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ، إلَى أَنْ قَالَ: وَلَا امْرَأَةٍ وَعَبْدٍ.

وَقَالَ هَاهُنَا: وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَسَامَةُ عَلَيْهَا تَكَرُّرُ الْأَيْمَانِ وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ أَلْبَتَّةَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ تُكْمِلْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ خَمْسِينَ كُرِّرَتْ الْأَيْمَانُ، وَمَعْنَاهُ لَا يُكْمِلُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ خَمْسِينَ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِهَا، وَأَمَّا هَاهُنَا فَالْقَتِيلُ وُجِدَ فِي قَرْيَتِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْقَتْلِ فَإِنَّهَا تَتَحَقَّقُ مِنْهَا، وَيَتَبَيَّنُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَسَامَةَ إذَا وَجَبَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ تَعَلَّلَ بِالنُّصْرَةِ، فَمَنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا يَدْخُلُ وَمَنْ لَا فَلَا، فَلَا يَدْخُلُ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ، وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَى وَاحِدٍ تَعَلَّلَ بِتُهْمَةِ الْقَتْلِ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا فَلَا فَتَدْخُلُ الْمَرْأَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (وَالْفَرْضُ لَهُمَا مِنْ الْعَطَاءِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ فَرَضَ الْإِمَامُ لِنِسَاءِ الْغُزَاةِ وَذَرَارِيِّهِمْ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>