للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا) وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ بَدَلِ النَّفْسِ، وَلِأَنَّ التَّحَمُّلَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْإِجْحَافِ وَلَا إجْحَافَ فِي الْقَلِيلِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْكَثِيرِ، وَالتَّقْدِيرُ الْفَاصِلُ عُرِفَ بِالسَّمْعِ.

قَالَ (وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي) وَالْقِيَاسُ فِيهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَيَجِبُ الْكُلُّ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، أَوْ التَّسْوِيَةُ فِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ شَيْءٌ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رَوَيْنَا، وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ أَوْجَبَ أَرْشَ الْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ» وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ بَدَلِ الرَّجُلِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الدِّيَاتِ، فَمَا دُونَهُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالتَّحْكِيمِ كَمَا يَجِبُ ضَمَانُ الْمَالِ بِالتَّقْوِيمِ فَلِهَذَا كَانَ فِي مَالِ الْجَانِي أَخْذًا بِالْقِيَاسِ.

وَلَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهُ فَصَارَ كَضَمَانِ الْأَمْوَالِ. قِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَأَمَّا بَدَلُ النَّفْسِ فَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَبِيلَةَ إذَا كَانَتْ مِائَةً كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةَ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ النَّفْسِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَتَلَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا فَإِنَّهُ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّ تَحَمُّلَ بَدَلِ النَّفْسِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَالتَّحَمُّلُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ثَابِتٌ بِعِلَّةِ النَّصِّ فَلَا يُعْتَبَرُ لِلتَّحَمُّلِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِقْدَارٌ لَمْ يُوجَدْ فِي التَّحَمُّلِ لَا النَّصِّ وَلَا عِلَّتُهُ فَيَجِبُ فِي مَالِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا عَبْدًا) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا» فَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَقْتُلَ الْعَبْدُ حُرًّا فَلَيْسَ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ شَيْءٌ مِنْ جِنَايَةِ عَبْدِهِ، إنَّمَا جِنَايَتُهُ فِي رَقَبَتِهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ يَفْدِيَهُ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ يَقْتُلُهُ حُرٌّ أَوْ يَجْرَحُهُ يَقُولُ: فَلَيْسَ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي شَيْءٌ إنَّمَا ثَمَنُهُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَذَاكَرْت الْأَصْمَعِيَّ فِي ذَلِكَ فَإِذَا هُوَ يَرَى الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لِجَرْيِهِ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَا يَرَى قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ جَائِزًا، يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى مَا قَالَ لَكَانَ الْكَلَامُ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَنْ عَبْدٍ وَلَمْ يَكُنْ وَلَا تَعْقِلُ عَبْدًا، وَمَعْنَى قَوْلِ الْأَصْمَعِيِّ إنَّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُقَالُ عَقَلْت

<<  <  ج: ص:  >  >>