عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْقَضَاءِ وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عَطَاءٌ مَعَهُمْ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) لِأَنَّهُ فِي حَقِّ حِصَّتِهِ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ مُقِرٌّ عَلَيْهِمْ.
قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ فَقَتَلَهُ خَطَأً كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ قِيمَتُهُ) لِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا. وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِ عِنْدَهُ وَلِهَذَا يُوجِبُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْعَبْدِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ،
بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَهَذَا أَوْلَى. وَقَوْلُهُ (وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا)؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَصَادِقَيْنِ وَلِيُّ الْقَتِيلِ، وَمِنْ زَعْمِهِ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لَا عَلَى الْمُقِرِّ فَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ وَالْإِقْرَارُ وَالصُّلْحُ لَا يَلْزَمَانِ الْعَاقِلَةَ فَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَلْزَمُ مُوجِبُ الْإِقْرَارِ فِي مَالِ الْمُقِرِّ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ هُنَاكَ فِي مَالِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ تَصَادُقُهُمَا بِقَضَاءِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَيَجِبُ فِي مَالِ الْمُقِرِّ ضَرُورَةً. فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ أَصْلُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَقَدْ تَحَوَّلَ بِزَعْمِهِ إلَى عَاقِلَتِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَإِذَا تَوَى عَلَى الْعَاقِلَةِ بِجُحُودِهِمْ عَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا كَانَ أَصْلُهُ دَيْنًا لِدَفْعِ التَّوَى عَنْ مَالِ الْمُسْلِمِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ صِلَةٌ شُرِعَتْ صِيَانَةً لِدَمِ الْمَقْتُولِ عَنْ الْهَدَرِ، فَبَعْدَمَا تَقَرَّرَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ بِحَالٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute