حِصَّةُ أَحَدِهِمَا مُمْتَازَةٌ عَنْ حِصَّةِ الْآخَرِ بَقَاءً وَبُطْلَانًا.
قَالَ (وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ جَيِّدٌ وَوَسَطٌ وَرَدِيءٌ فَأَوْصَى بِكُلِّ وَاحِدٍ لِرَجُلٍ فَضَاعَ ثَوْبٌ وَلَا يَدْرِي أَيُّهَا هُوَ وَالْوَرَثَةُ تَجْحَدُ ذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ) وَمَعْنَى جُحُودَهُمْ أَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ هَلَكَ فَكَانَ الْمُسْتَحَقُّ مَجْهُولًا وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَتَحْصِيلَ الْمَقْصُودِ فَبَطَلَ.
قَالَ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْوَرَثَةُ الثَّوْبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، فَإِنْ سَلَّمُوا زَالَ الْمَانِعُ وَهُوَ الْجُحُودُ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْجَيِّدِ ثُلُثَا الثَّوْبِ الْأَجْوَدِ، وَلِصَاحِبِ الْأَوْسَطِ ثُلُثُ الْجَيِّدِ وَثُلُثِ الْأَدْوَنِ فَثَبَتَ الْأَدْوَنُ، وَلِصَاحِبِ الْأَدْوَنِ ثُلُثَا الثَّوْبِ الْأَدْوَنِ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَيِّدِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَسَطًا أَوْ رَدِيئًا وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا، وَصَاحِبَ الرَّدِيءِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْجَيِّدِ الْبَاقِي بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ جَيِّدًا أَوْ وَسَطًا وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّدِيءُ هُوَ الرَّدِيءُ الْأَصْلِيُّ فَيُعْطَى مِنْ مَحِلِّ الِاحْتِمَالِ، وَإِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا الْجَيِّدِ وَثُلُثَا الْأَدْوَنِ لَمْ يَبْقَ إلَّا ثُلُثُ الْجَيِّدِ وَثُلُثُ الرَّدِيءِ فَيَتَعَيَّنُ حَقُّ صَاحِبِ الْوَسَطِ فِيهِ بِعَيْنِهِ ضَرُورَةً.
قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَوْصَى أَحَدَهُمَا بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ، فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي فَهُوَ
يَقُولَ: هَذَا الْإِقْرَارُ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الْوَارِثِ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَمَا وَجْهُ تَرْجِيحِ جِهَةِ الْفَسَادِ بِحَيْثُ تَعَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ وَجْهَ ذَلِكَ هُوَ الْقَاعِدَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ وَهِيَ أَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ.
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ مُمْتَازَةٍ عَنْ غَيْرِهَا، فَفِي كُلِّ جُزْءٍ فَرَضْته يَشْتَرِكَانِ فَيَثْبُتُ لِلْأَجْنَبِيِّ الْمِلْكُ فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لَهُ وَلَا يَثْبُتُ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَارِثِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ. وَقَوْلُهُ (بَقَاءً وَبُطْلَانًا) أَيْ: بَقَاءً فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَبُطْلَانًا فِي حَقِّ الْوَارِثِ يَعْنِي تَبْقَى الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَتَبْطُلُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ لِامْتِيَازِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ حِصَّةِ الْآخَرِ.
قَالَ (وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ جَيِّدٍ وَوَسَطٍ وَرَدِيءٍ إلَخْ) رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ جَيِّدٍ وَوَسَطٍ وَرَدِيءٍ، تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَأَوْصَى بِكُلِّ ثَوْبٍ مِنْهَا لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهَلَكَ أَحَدُ الْأَثْوَابِ وَلَا يَدْرِي أَيَّهَا هُوَ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ قَدْ هَلَكَ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً لِكَوْنِ الْمُسْتَحِقِّ مَجْهُولًا وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَتَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ وَهُوَ إتْمَامُ غَرَضِ الْمُوصِي (إلَّا أَنْ تُسَلِّمَ لَهُمْ الْوَرَثَةُ الثَّوْبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ) فَإِنَّ الْمَانِعَ حِينَئِذٍ قَدْ زَالَ فَيُقْسَمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ وَاضِحٌ إذَا ابْتَدَأَ بِتَعْلِيلِ جَانِبِ صَاحِبِ الْجَيِّدِ وَصَاحِبِ الرَّدِيءِ، وَإِنْ ابْتَدَأَ بِتَعْلِيلِ جَانِبِ صَاحِبِ الْوَسَطِ فَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْهَالِكُ إنْ كَانَ أَرْفَعَ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ فَحَقُّ صَاحِبِ الْوَسَطِ فِي الْجَيِّدِ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْهَالِكُ أَرْدَأَ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ فَحَقُّ صَاحِبِ الْوَسَطِ فِي الرَّدِيءِ مِنْهُمَا، فَحَقُّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا مَرَّةً وَبِذَلِكَ أُخْرَى، وَإِنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْوَسَطُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْبَاقِيَيْنِ، فَإِذَا كَانَ حَقُّهُ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ فِي حَالٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ فِي حَالَيْنِ فَيَأْخُذُ ثُلُثَ كُلِّ وَاحِدٍ فَبَقِيَ صَاحِبُ الْجَيِّدِ وَصَاحِبُ الرَّدِيءِ فَصَاحِبُ الْجَيِّدِ يَدَّعِي الْجَيِّدَ وَلَا يَدَّعِي الرَّدِيءَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ قَطْعًا، وَصَاحِبُ الرَّدِيءِ يَدَّعِي الرَّدِيءَ دُونَ الْجَيِّدِ فَيُسَلَّمُ ثُلُثَا الْجَيِّدِ لِصَاحِبِ الْجَيِّدِ وَثُلُثَا الرَّدِيءِ لِصَاحِبِ الرَّدِيءِ.
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ) ظَاهِرٌ إلَى قَوْلِهِ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ تَابِعٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute