للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَالَ أَقْبَلُ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ) لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لَا يَبْطُلُ الْإِيصَاءُ، لِأَنَّ فِي إبْطَالِهِ ضَرَرًا بِالْمَيِّتِ وَضَرَرُ الْوَصِيِّ فِي الْإِبْقَاءِ مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ، وَدَفْعُ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَعْلَى أَوْلَى، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْوِصَايَةِ يَصِحُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، إذْ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ دَفْعِ الضَّرَرِ، وَرُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ بِبَقَاءِ الْوِصَايَةِ فَيَدْفَعُ الْقَاضِي الضَّرَرَ عَنْهُ وَيُنَصِّبُ حَافِظًا لِمَالِ الْمَيِّتِ مُتَصَرِّفًا فِيهِ فَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلِهَذَا يَنْفُذُ إخْرَاجُهُ، فَلَوْ قَالَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْقَاضِي إيَّاهُ أَقْبَلُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبِلَ بَعْدَ بُطْلَانِ الْوِصَايَةِ بِإِبْطَالِ الْقَاضِي.

قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ وَنَصَّبَ غَيْرَهُمْ) وَهَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَهَا. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ. قِيلَ مَعْنَاهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ

النَّهْيُ عَنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ: أَيْ الْوَاحِدُ فِيهِمَا يَكْفِي. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ لَا أَقْبَلُ) يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا سَكَتَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ثُمَّ بَعْدَ مَمَاتِهِ قَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَبِلَ فَهُوَ وَصِيٌّ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ الْقَاضِي حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لَا يَبْطُلُ الْإِيصَاءُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ فِي إبْطَالِهِ مَضَرَّةً بِالْمَيِّتِ وَفِي إبْقَائِهِ ضَرَرٌ لِلْوَصِيِّ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَعْلَى لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَجْبُورٍ بِشَيْءٍ وَالثَّانِي مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ، وَدَفْعُ الْأَعْلَى مِنْ الضَّرَرِ أَوْلَى لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَلَهُ ذَلِكَ: يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْهَا حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ لَا يَصِحُّ قَبُولُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَعْلِيلِ صِحَّةِ هَذَا الْإِخْرَاجِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْقَاضِي حَكَمٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّمَا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ لَوْ صَحَّتْ بِقَبُولِهِ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ وَيَصِحُّ الْإِخْرَاجُ فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَالْبَاقِي وَاضِحٌ.

قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ إلَخْ) وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ كَافِرٍ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ أَوْ حَرْبِيٍّ أَوْ فَاسِقٍ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ وَنَصَّبَ غَيْرَهُمْ، وَهَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ لَفْظُ الْقُدُورِيِّ يُشِيرُ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَ الصِّحَّةِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهُ بَاطِلٌ أَصْلًا أَوْ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَعَامَّةُ مَشَايِخِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَبْدَ أَهْلُ التَّصَرُّفِ وَلِهَذَا جَازَ تَوْكِيلُهُ، وَلَكِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>