للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّقَّ يُنَافِيهَا، وَلِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا قَلْبُ الْمَشْرُوعِ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ الصَّادِرَةَ مِنْ الْأَبِ لَا تَتَجَزَّأُ، وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ تَجْزِئَتُهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ وَهَذَا نَقْضُ الْمَوْضُوعِ. وَلَهُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْمَنْعِ فَلَا مُنَافَاةَ، وَإِيصَاءُ الْمَوْلَى إلَيْهِ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ نَاظِرًا لَهُمْ وَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْوِصَايَةُ قَدْ تَتَجَزَّأُ عَلَى مَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ نَقُولُ: يُصَارُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ أَصْلِهِ، وَتَغْيِيرِ الْوَصْفِ لِتَصْحِيحِ الْأَصْلِ أَوْلَى.

قَالَ (وَمَنْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ ضَمَّ إلَيْهِ الْقَاضِي غَيْرَهُ) رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِضَمِّ الْآخَرِ إلَيْهِ لِصِيَانَتِهِ وَنَقْصِ كِفَايَتِهِ فَيَتِمُّ النَّظَرُ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ، وَلَوْ شَكَا إلَيْهِ الْوَصِيُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً، لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا

وَقَوْلُهُ (وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ) أَيْ: هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَهِيَ وَصِيَّةُ عَبْدِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ الصِّغَارِ (تَجْزِئَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ) وَقَوْلُهُ وَهَذَا نَقْضُ الْمَوْضُوعِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ إنَّمَا يَمْلِكُ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمُوصِي وَوِلَايَتُهُ لَا تَتَجَزَّأُ إذْ لَا يُقَالُ وِلَايَتُهُ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، فَلَوْ ثَبَتَ التَّجْزِيءُ فِي وِلَايَةِ الْوَصِيِّ ثَبَتَ فِي وِلَايَةِ الْمُوصِي لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ فَكَانَ عَائِدًا عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ.

وَقَوْلُهُ (إنَّهُ مُخَاطَبٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَقَوْلُهُ (مُسْتَبِدٌّ) احْتِرَازٌ عَنْ الْإِيصَاءِ إلَى عَبْدِ الْغَيْرِ وَعَمَّا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ. وَقَوْلُهُ (لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْمَنْعِ فَلَا مُنَافَاةَ) قِيلَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ فَيَتَحَقَّقُ الْمَنْعُ وَالْمُنَافَاةُ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْإِيصَاءُ لَمْ يَبْقَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ بِكَوْنِهِ نَاظِرًا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَخْتَارُ الْمَرْقُوقَ دُونَ الْأَحْرَارِ كَافَّةً إلَّا إذَا وَثِقَ بِدِيَانَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَشَفَقَتِهِ عَلَى مَنْ خَلْفَهُمْ وَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الْإِيصَاءَ إلَيْهِ جَائِزٌ فَكَذَلِكَ هَذَا. قَوْلُهُ (وَالْوِصَايَةُ قَدْ تَتَجَزَّأُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ تَجْزِئَتُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ إلَى أَحَدِهِمَا فِي الْعَيْنِ وَإِلَى الْآخَرِ فِي الدَّيْنِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ وَصِيًّا فِيمَا أَوْصَى إلَيْهِ خَاصَّةً، أَوْ نَقُولُ: يُصَارُ إلَيْهِ أَيْ: إلَى التَّجْزِيءِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ هَذَا التَّصَرُّفِ وَهُوَ نَصْبُ عَبْدِهِ وَصِيًّا عَلَى الصِّغَارِ. فَإِنْ قِيلَ: يُفْضِي إلَى تَغْيِيرِ وَصْفِهِ وَهُوَ جَعْلُهُ مُتَجَزِّئًا بَعْدَمَا لَمْ يَكُنْ. قُلْنَا: يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ لِتَصْحِيحِ الْأَصْلِ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِهِ بِالْكُلِّيَّةِ.

قَالَ (وَمَنْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ) مَعْنَى قَوْلِهِ بِالْوَصِيَّةِ بِالْوِصَايَةِ. اعْلَمْ أَنَّ الْأَوْصِيَاءَ ثَلَاثَةٌ: عَدْلٌ كَافٍ، وَفَاسِقٌ. وَزَادَ الْمُصَنِّفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>