(فَصْلٌ فِي بَيَانِهِ)
قَالَ (وَإِذَا كَانَ لِلْمَوْلُودِ فَرْجٌ وَذَكَرٌ فَهُوَ خُنْثَى، فَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ الذَّكَرِ فَهُوَ غُلَامٌ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ الْفَرْجِ فَهُوَ أُنْثَى) «لِأَنَّ النَّبِيَّ ﵊ سُئِلَ عَنْهُ كَيْفَ يُورَثُ؟ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» وَعَنْ عَلِيٍّ ﵁ مِثْلُهُ. وَلِأَنَّ الْبَوْلَ مِنْ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ فَهُوَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ الصَّحِيحُ وَالْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ (وَإِنْ بَال مِنْهُمَا فَالْحُكْمِ لِلْأَسْبَقِ) لِأَنَّ ذَلِكَ دَلَالَةً أُخْرَى عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ (وَإِنْ كَانَا فِي السَّبْقِ عَلَى السَّوَاءِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْكَثْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يُنْسَبُ إلَى أَكْثَرِهِمَا بَوْلًا) لِأَنَّهُ عَلَامَةُ قُوَّةِ
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ غَلَبَ وُجُودُهُ ذَكَرَ أَحْكَامَ مَنْ هُوَ نَادِرُ الْوُجُودِ. وَذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ تَرْكِيبَ الْخَنْثِ يَدُلُّ عَلَى لِينٍ وَتَكَسُّرٍ وَمِنْهُ الْمُخَنَّثُ وَتَخَنَّثَ فِي كَلَامِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْفَصْلُ إنَّمَا يُذْكَرُ لِقَطْعِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ بِاعْتِبَارِ نَوْعِ مُغَايَرَةٍ بَيْنَهُمَا وَهَاهُنَا لَمْ يَتَقَدَّمْ شَيْءٌ فَمَا وَجْهُ ذِكْرِ الْفَصْلِ؟ قُلْت: كَلَامُهُ فِي قُوَّةِ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْكِتَابُ فِيهِ فَصْلَانِ: فَصْلٌ: فِي بَيَانِ الْخُنْثَى، وَفَصْلٌ: فِي أَحْكَامِهِ، وَمَا ذَكَرْت فَإِنَّمَا هُوَ فِي وُقُوعِهِ فِي التَّفْصِيلِ لَا فِي الْإِجْمَالِ (قَالَ وَإِذَا كَانَ إلَخْ) أَيْ قَالَ الْقُدُورِيُّ: إذَا كَانَ لِلْمَوْلُودِ فَرْجٌ وَذَكَرٌ فَهُوَ خُنْثَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ الْوَاقِعَةَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ لِلِاسْتِئْنَافِ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (فَهُوَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ الصَّحِيحُ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ فِي الْحَيَوَانِ كُلَّ عُضْوٍ لِمَنْفَعَةٍ، وَمَنْفَعَةُ هَاتَيْنِ الْآلَتَيْنِ عِنْدَ الِانْفِصَالِ مِنْ الْأُمِّ لَيْسَتْ إلَّا خُرُوجُ الْبَوْلِ مِنْهُمَا، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْأَصْلِيَّةَ لِلْآلَةِ كَوْنُهَا مَبَالًا؛ فَإِذَا بَالَ مِنْ أَحَدِهِمَا عُرِفَ أَنَّ الْآلَةَ الَّتِي هِيَ لِلْفَصْلِ فِي حَقِّهِ هَذِهِ وَالْآخَرُ زِيَادَةُ خَرْقٍ فِي الْبَدَنِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. وَحَاصِلُهُ إنْ ظَهَرَتْ عَلَامَةُ الرِّجَالِ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ ظَهَرَتْ عَلَامَةُ النِّسَاءِ فَهُوَ امْرَأَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ أَوْ تَعَارَضَتْ الْعَلَامَاتُ فَهُوَ خُنْثَى مُشْكِلٌ، وَهَذَا يَرْفَعُ مَا يُقَالُ: لَا إشْكَالَ بَعْدَ الْبُلُوغِ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْغَالِبُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute