لِأَنَّهُ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ، وَلَا ضَرُورَةَ لِأَنَّهُ جَمَعَ هَاهُنَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ: أَشَارَ أَوْ كَتَبَ، وَإِنَّمَا اسْتَوَيَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ، وَفِي الْكِتَابَةِ زِيَادَةُ بَيَانٍ لَمْ يُوجَدْ فِي الْإِشَارَةِ، وَفِي الْإِشَارَةِ زِيَادَةُ أَثَرٍ لَمْ يُوجَدْ فِي الْكِتَابِ لَمَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى النُّطْقِ مِنْ آثَارِ الْأَقْلَامِ فَاسْتَوَيَا (وَكَذَلِكَ الَّذِي صَمَتَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لِعَارِضٍ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُعْتَقَلِ لِسَانُهُ أَنَّ آلَةَ النُّطْقِ قَائِمَةٌ، وَقِيلَ هَذَا تَفْسِيرٌ لِمُعْتَقَلِ اللِّسَانِ.
قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الْغَنَمُ مَذْبُوحَةً وَفِيهَا مَيْتَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ تَحَرَّى فِيهَا وَأَكَلَ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ أَكْثَرَ أَوْ كَانَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَأْكُلْ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْحَالَةُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ. أَمَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. لِأَنَّ الْمَيْتَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ تَحِلُّ لَهُ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ، فَاَلَّتِي تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ ذَكِيَّةً أَوْلَى، غَيْرَ أَنَّهُ يَتَحَرَّى لِأَنَّهُ طَرِيقٌ يُوَصِّلُهُ إلَى الذَّكِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ مُحَمَّدًا (جَمَعَ هُنَا) أَيْ: فِي الْكِتَابِ (بَيْنَهُمَا) بِقَوْلِهِ يَكْتُبُ كِتَابًا أَوْ يُومِئُ إيمَاءً. وَقَوْلُهُ (وَفِي الْكِتَابَةِ زِيَادَةُ بَيَانٍ لَمْ تُوجَدْ فِي الْإِشَارَةِ)؛ لِأَنَّ فَضْلَ الْبَيَانِ فِي الْكِتَابَةِ مَعْلُومٌ حِسًّا وَعِيَانًا حَيْثُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ بِلَا شُبْهَةٍ، بِخِلَافِ الْإِشَارَةِ فَإِنَّ فِيهَا نَوْعَ إبْهَامٍ. (وَفِي الْإِشَارَةِ زِيَادَةُ أَثَرٍ لَمْ تُوجَدْ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ: الْإِشَارَةَ (أَقْرَبُ إلَى النُّطْقِ مِنْ آثَارِ الْأَقْلَامِ)؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْكِتَابَةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِآثَارِ الْأَقْلَامِ وَهِيَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ آثَارِ الْمُتَكَلِّمِ. وَأَمَّا الْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِالْإِشَارَةِ فَحَاصِلٌ بِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ إشَارَتُهُ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ، وَالْمُتَّصِلُ بِالْمُتَكَلِّمِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الَّذِي صَمَتَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الَّذِي يُعْتَقَلُ لِسَانُهُ: أَيْ: لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِأَنْ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَيْ: نَعَمْ أَوْ كَتَبَ.
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ الْغَنَمُ مَذْبُوحَةً إلَخْ) ظَاهِرٌ وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الثِّيَابِ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ: أَحَدُهُمَا نَجِسٌ، وَالْآخَرُ طَاهِرٌ وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ مَعَهُ ثَوْبٌ غَيْرُهُمَا فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى وَيُصَلِّي فِي الَّذِي يَقَعُ تَحَرِّيهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ، فَقَدْ جُوِّزَ التَّحَرِّي هُنَاكَ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ النَّجِسُ وَالثَّوْبُ الطَّاهِرُ نِصْفَيْنِ، وَفِي الذَّكِيَّةِ وَالْمَيْتَةِ لَمْ يَجُزْ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ وَجْهَ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ حُكْمَ الثِّيَابِ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا نَجِسَةً كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَعْضِهَا ثُمَّ لَا يُعِيدَ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الصَّلَاةِ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْغَنَمِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرَّجُلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute