قَالَ (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِيَامُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا يُومِئُ إيمَاءً)؛ لِأَنَّ رُكْنِيَّةَ الْقِيَامِ لِلتَّوَسُّلِ بِهِ إلَى السَّجْدَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ نِهَايَةِ التَّعْظِيمِ، فَإِذَا كَانَ لَا يَتَعَقَّبُهُ السُّجُودُ لَا يَكُونُ رُكْنًا فَيَتَخَيَّرُ، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالسُّجُودِ.
(وَإِنْ صَلَّى الصَّحِيحُ بَعْضَ صَلَاتِهِ قَائِمًا ثُمَّ حَدَثَ بِهِ مَرَضٌ يُتِمُّهَا قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ أَوْ يُومِئُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ أَوْ مُسْتَلْقِيًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ)؛ لِأَنَّهُ بِنَاءُ الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى فَصَارَ كَالِاقْتِدَاءِ.
(وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لِمَرَضٍ ثُمَّ صَحَّ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ قَائِمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: اسْتَقْبَلَ) بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَإِنْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بِإِيمَاءٍ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ
وَقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ.
قَالَ (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) قَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقِيَامُ لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ فَلَا يَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْ إدْرَاكِ رُكْنٍ آخَرَ. وَلَنَا أَنَّ رُكْنِيَّةَ الْقِيَامِ لِلتَّوَسُّلِ بِهِ إلَى السَّجْدَةِ فَإِنَّهُ بِدُونِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ عِبَادَةً، بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَإِذَا كَانَ لَا يَتَعَقَّبُهُ السُّجُودُ لَا يَكُونُ رُكْنًا فَيَتَخَيَّرُ (وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالسُّجُودِ) فَإِنَّ عِنْدَ الْإِيمَاءِ قَاعِدًا يَصِيرُ رَأْسُهُ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ مِنْ الْإِيمَاءِ قَائِمًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعْلِيلٌ عَلَى مُخَالَفَةِ النَّصِّ لِأَنَّ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْقُعُودِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ وَالْمَفْرُوضُ خِلَافُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَالَةَ الْقِيَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِيمَاءَ فِي حَالِ مَا يُصَلِّي عَلَى الْجَنْبِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِحَالَةِ الْقِيَامِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَرْكَانِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ قَائِمًا) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ فَصْلٍ جُوِّزَ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ جُوِّزَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute