وَهِيَ كَلِمَةُ إيجَابٍ وَهُوَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْقَصْدِ (وَإِذَا تَلَا الْإِمَامُ آيَةَ السَّجْدَةِ سَجَدَهَا وَسَجَدَهَا الْمَأْمُومُ مَعَهُ) لِالْتِزَامِهِ مُتَابَعَتَهُ (وَإِذَا تَلَا الْمَأْمُومُ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ وَلَا الْمَأْمُومُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَسْجُدُونَهَا إذَا فَرَغُوا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَقَرَّرَ، وَلَا مَانِعَ بِخِلَافِ حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ وَضْعِ الْإِمَامَةِ
إيجَابٍ (وَهُوَ) أَيْ الْحَدِيثُ (غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْقَصْدِ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمَا أُدِّيَتْ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ وَرُكُوعِهَا وَلَمَا تَدَاخَلَتْ وَلَمَا أُدِّيَتْ بِالْإِيمَاءِ مِنْ رَاكِبٍ يَقْدِرُ عَلَى النُّزُولِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَدَاءَهَا فِي ضِمْنِ شَيْءٍ لَا يُنَافِي وُجُوبَهَا فِي نَفْسِهَا كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ يَتَأَدَّى بِالسَّعْيِ إلَى التِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ التَّدَاخُلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا إظْهَارُ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَجَوَازُ أَدَائِهَا بِالْإِيمَاءِ حِينَ قَرَأَهَا رَاكِبًا لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ، فَإِنَّ تِلَاوَتَهُ عَلَى الدَّابَّةِ مَشْرُوعَةٌ فِيمَا تَجِبُ بِهِ السَّجْدَةُ فَكَانَ كَالشُّرُوعِ عَلَى الدَّابَّةِ فِي التَّطَوُّعِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ زَيْدٍ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ ﷺ لَمْ يَسْجُدْ تِلْكَ السَّجْدَةَ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا فَإِذَا لَمْ نَقُلْ بِوُجُوبِهَا عَلَى الْفَوْرِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَجَدَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ قَالَ: جُعِلَ هَذَا اللَّفْظُ: يَعْنِي قَوْلَهُ «السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا» الْحَدِيثَ فِي سَائِرِ النُّسَخِ مِنْ الْمَبْسُوطِينَ وَالْأَسْرَارِ وَالْمُحِيطِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّحَابَةِ لَا مِنْ الْحَدِيثِ. وَأَقُولُ: لَمْ يَكُنْ الْمُصَنِّفُ مِمَّنْ لَمْ يُطَالِعْ الْكُتُبَ الْمَذْكُورَةَ، فَلَوْلَا أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْده كَوْنُهُ حَدِيثًا لَمَا نَقَلَهُ حَدِيثًا، فَإِنَّهُ ﵀ أَعْظَمُ دِيَانَةً مِنْ أَنْ يُتَوَهَّمَ بِهِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَلَا الْإِمَامُ السَّجْدَةَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَقَرَّرَ وَلَا مَانِعَ) وَكُلُّ مَا تَقَرَّرَ مُقْتَضِيهِ وَانْتَفَى مَانِعُهُ تَحَقَّقَ لَا مَحَالَةَ (بِخِلَافِ حَالَةِ الصَّلَاةِ) فَإِنَّ الْمَانِعَ مَوْجُودٌ (لَأَنْ يُؤَدِّيَ إلَى خِلَافِ مَوْضِعِ الْإِمَامَةِ) إنْ سَجَدَ التَّالِي أَوَّلًا وَتَابَعَهُ الْإِمَامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute