للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَكَذَا إذَا حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ مِصْرٍ أَوْ حَاصَرُوهُمْ فِي الْبَحْرِ)؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ مُبْطِلٌ عَزِيمَتَهُمْ، وَعِنْدَ زُفَرَ : يَصِحُّ فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا كَانَ الشَّوْكَةُ لَهُ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْقَرَارِ ظَاهِرًا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِ الْمَدَرِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إقَامَةٍ.

(وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَأِ وَهُمْ أَهْلُ الْأَخْبِيَةِ، قِيلَ لَا تَصِحُّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ فَلَا تَبْطُلُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى

مَحَلَّ قَرَارٍ لَيْسَ إلَّا، وَهَذَا دَائِرٌ بَيْنَ الْقَرَارِ وَالْفِرَارِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَلَمْ تَكُنْ دَارَ إقَامَةٍ، وَيُعَضِّدُ مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ». وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) إنَّمَا ذَكَرُوهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ حُكْمَهُ مِنْ حُكْمِ أَهْلِ الْحَرْبِ لِدَفْعِ مَا عَسَى يُتَوَهَّمُ أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنَّمَا لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْ دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَانَتْ كَالْمَفَازَةِ، بِخِلَافِ مَدِينَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَإِنَّهَا فِي يَدِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ النِّيَّةُ (وَكَذَا إذَا حَاصَرُوهُمْ فِي الْبَحْرِ) وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ حَالَهُمْ مُبْطِلٌ عَزِيمَتَهُمْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمَحَلَّ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا لِلنِّيَّةِ لَكِنْ ثَمَّةَ مَانِعٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُقِيمُونَ لِغَرَضٍ، فَإِذَا حَصَلَ انْزَعَجُوا فَلَا تَكُونُ نِيَّتُهُمْ مُسْتَقِرَّةً، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي غَيْرِ مِصْرٍ، وَقَوْلَهُ فِي الْبَحْرِ لَيْسَ بِقَيْدٍ حَتَّى لَوْ نَزَلُوا مَدِينَةَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَحَاصَرُوهُمْ فِي الْحِصْنِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُمْ أَيْضًا لِأَنَّ مَدِينَتَهُمْ كَالْمَفَازَةِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ لَا يُقِيمُونَ فِيهَا. وَقَوْلُهُ (فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي مُحَاصَرَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إقَامَةٍ) أَيْ بُيُوتَ الْمَدَرِ، وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ لِأَنَّ الْخَبَرَ مُذَكَّرٌ، وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَخْبِيَةِ بِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِقَامَةِ وَالْقَرَارِ هُوَ الْأَبْنِيَةُ دُونَ الْأَخْبِيَةِ.

(وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَإِ وَهُمْ أَهْلُ الْأَخْبِيَةِ) مُخْتَلَفٌ فِيهَا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ (لَا تَصِحُّ) أَبَدًا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ) لِلْمَرْءِ (أَصْلٌ) وَالسَّفَرَ عَارِضٌ يَحْصُلُ عِنْدَ قَصْدِ الِانْتِقَالِ إلَى مَكَان بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُدَّةُ السَّفَرِ وَهُمْ لَا يَقْصِدُونَ ذَلِكَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>