للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَنْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ فَانْتَقَلَ عَنْهُ وَاسْتَوْطَنَ غَيْرَهُ ثُمَّ سَافَرَ وَدَخَلَ وَطَنَهُ الْأَوَّلَ قَصَرَ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ وَطَنًا لَهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ عَدَّ نَفْسَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْوَطَنَ الْأَصْلِيَّ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ دُونَ

غَيْرِهِ لِأَنَّ مُكْثَهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلسَّيْرِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلْإِقَامَةِ فَاحْتِيجَ إلَى النِّيَّةِ، فَأَمَّا فِي مِصْرِهِ فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِلْإِقَامَةِ كَمَا كَانَ قَبْلَ السَّيْرِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ الْمُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ عَلَى الدُّخُولِ فِي مِصْرِهِ يَصِيرُ مُقِيمًا وَتَتِمُّ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ رَفْضُ الْإِيجَابِ لَا ابْتِدَاؤُهُ.

وَقَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ فَانْتَقَلَ مِنْهُ) اعْلَمْ أَنَّ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ قَسَمُوا الْأَوْطَانَ عَلَى ثَلَاثَةٍ: وَطَنٍ أَصْلِيٍّ وَهُوَ مَوْلِدُ الرَّجُلِ أَوْ الْبَلَدُ الَّذِي تَأَهَّلَ فِيهِ. وَوَطَنِ إقَامَةٍ وَهُوَ الْبَلَدُ الَّذِي يَنْوِي الْمُسَافِرُ فِيهِ الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيُسَمَّى وَطَنَ سَفَرٍ أَيْضًا. وَوَطَنِ السُّكْنَى وَهُوَ الْبَلَدُ الَّذِي يَنْوِي الْمُسَافِرُ فِيهِ الْإِقَامَةَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ قَسَمُوا الْوَطَنَ إلَى الْأَصْلِيِّ وَوَطَنِ الْإِقَامَةِ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا وَطَنَ السُّكْنَى وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ الْإِقَامَةُ بَلْ حُكْمُ السَّفَرِ فِيهِ بَاقٍ، وَالْأَصْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>