(وَالْعَاصِي وَالْمُطِيعُ فِي سَفَرِهِمَا فِي الرُّخْصَةِ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفِيدُ الرُّخْصَةَ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ
وَإِذَا فَاتَتْ الصَّلَاةُ عَنْ وَقْتِهَا كَانَ كُلُّ الْوَقْتِ سَبَبًا لِمَا عُرِفَ لَا الْجُزْءُ الْأَخِيرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ يُقَرِّرُونَ السَّبَبِيَّةَ عَلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ قَدْ اخْتَارَ ذَلِكَ. وَأَقُولُ: الِاعْتِرَاضُ لَيْسَ بِوَارِدٍ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ الْقَضَاءُ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ: يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ أَرْبَعٍ قَضَى أَرْبَعًا، وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ رَكْعَتَيْنِ قَضَى رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّبَبِيَّةِ لِلْأَدَاءِ هُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْ الْوَقْتِ، وَهَذَا أَيْضًا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَبِهِ يَتِمُّ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ.
وَأَمَّا أَنَّ السَّبَبِيَّةَ تَنْتَقِلُ بَعْدَ الْفَوْتِ إلَى كُلِّ الْوَقْتِ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي عَدَمِ جَوَازِ قَضَاءِ الْعَصْرِ الْفَائِتِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَقْتَ الِاحْمِرَارِ فَذَلِكَ شَيْءٌ آخَرُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مُرَادِ الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا وَاضِحٌ فَتَأَمَّلْهُ يُغْنِيك عَنْ التَّطْوِيلِ. وَنُوقِضَ قَوْلُهُمْ الْقَضَاءُ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ بِمَا إذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ ثُمَّ ذَهَبَ الْوَقْتُ ثُمَّ أَفْسَدَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُقْتَدِي صَلَاتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ صَلَاةَ السَّفَرِ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ أَرْبَعًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ الْأَرْبَعُ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْإِفْسَادِ فَعَادَ إلَى أَصْلِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ الِاقْتِدَاءَ فِي الْوَقْتِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ السَّفَرِ فَكَذَا هَاهُنَا.
وَقَوْلُهُ (وَالْعَاصِي وَالْمُطِيعُ فِي سَفَرِهِمَا فِي الرُّخْصَةِ سَوَاءٌ) السَّفَرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: سَفَرُ طَاعَةٍ كَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ، وَسَفَرٌ مُبَاحٌ كَالتِّجَارَةِ، وَسَفَرُ مَعْصِيَةٍ كَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْإِبَاقِ عَنْ الْمَوْلَى وَحَجِّ الْمَرْأَةِ بِلَا مَحْرَمٍ. وَالْأَوَّلَانِ سَبَبَانِ لِلرُّخْصَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا الْأَخِيرُ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. قَالَ: لِأَنَّ الرُّخْصَةَ تَثْبُتُ تَخْفِيفًا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يُوجِبُ التَّغْلِيظَ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute