للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمِنْهَا الْخُطْبَةُ)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ مَا صَلَّاهَا بِدُونِ الْخُطْبَةِ فِي عُمُرِهِ (وَهِيَ

وَقَوْلُهُ (وَمِنْهَا) مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ (الْخُطْبَةُ) وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُخْطَبُ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ شَرْطًا «لِأَنَّ النَّبِيَّ مَا صَلَّاهَا فِي عُمُرِهِ بِدُونِ الْخُطْبَةِ» وَفِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَأَنْ يُقَالَ: الْخُطْبَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ رُكْنًا وَلَا تَكُونُ شَرْطًا لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مَقَامَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ وَذَلِكَ رُكْنٌ، فَكَذَلِكَ مَا قَامَ مَقَامَهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِلَا طَهَارَةٍ وَلِأَنَّهَا لَمْ يُشْتَرَطْ قِيَامُهَا حَالَةَ الْأَدَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لَكَانَ يُرَاعَى قِيَامُهَا حَالَةَ الْأَدَاءِ كَمَا اُشْتُرِطَ قِيَامُ الطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ شَرْطًا كَانَتْ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ لَازِمٌ لَهُ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى دَوَامِ وُجُودِهِ، وَالدَّوَامُ لَا يَسْتَلْزِمُ الضَّرُورَةَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ صَلَاةً بِدُونِ سُنَنِهَا كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَحْرِيمَةٍ وَالتَّكْبِيرِ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَغَيْرِهِمَا، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ شَرْطًا لِلصَّلَاةِ.

وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ لَا تَقُومُ بِالْخُطْبَةِ وَإِنَّمَا تَقُومُ بِأَرْكَانِهَا فَكَانَتْ شَرْطًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالسَّعْيِ إلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَاسْعَوْا﴾ فَتَكُونُ وَاجِبَةً وَلَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا لِأَنَّ النِّدَاءَ لَمْ يَقَعْ لَهَا بَلْ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ حَيْثُ قَالَ ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ﴾ وَلَوْ كَانَتْ مَقْصُودَةً لَكَانَ النِّدَاءُ لَهَا أَوْ لَهُمَا إنْ كَانَتَا مَقْصُودَتَيْنِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا وَهِيَ فَرْضٌ كَانَتْ شَرْطًا لِغَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لَكَانَ يُرَاعَى قِرَاءَةُ الْخُطْبَةِ حَالَ الْأَدَاءِ. قُلْنَا: الشَّرْطُ وُجُودُهَا لَا وُجُودُهَا حَالَ الْأَدَاءِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الدَّوَامَ قَدْ يَسْتَلْزِمُ الضَّرُورَةَ إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ الْخَارِجِيُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ هَاهُنَا عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّا نَعْلَمُ بِيَقِينٍ أَنَّ شَطْرَ الظُّهْرِ تَرْكٌ لِلْخُطْبَةِ وَالْفَرْضُ لَا يُتْرَكُ لِغَيْرِ الْفَرْضِ فَكَانَتْ فَرْضًا، فَأَمَّا أَنْ تَكُونَ فَرْضًا لِذَاتِهَا أَوْ لِغَيْرِهَا لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرْنَا فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَكَانَ لَازِمًا مِنْ لَوَازِمِهِ فَكَانَ شَرْطًا (وَهِيَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>