قَالَ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) يُرِيدُ بِهِ مَا سِوَى تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ لِقَوْلِهِ ﵊ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا تَكْبِيرَاتِ الْأَعْيَادِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْنَا مَا رَوَيْنَا.
خَمْسَةَ عَشَرَ تَكْبِيرَةً أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَإِزَالَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، فَفَسَّرَ عُلَمَاؤُنَا رِوَايَتَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِإِضَافَةِ الْأَصْلِيَّاتِ لِأَنَّ الْأَصْلِيَّاتِ ثَلَاثٌ: تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ، وَتَكْبِيرَتَا الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى خَمْسَةٍ وَخَمْسَةٍ كَانَتْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى خَمْسَةٍ وَأَرْبَعَةٍ صَارَتْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَعَلَى هَذَا عَمَلُ الْعَامَّةِ الْيَوْمَ (وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ الْمَرْوِيَّ عَلَى الزَّوَائِدِ) فَإِذَا أُضِيفَتْ إلَيْهَا الْأَصْلِيَّاتُ صَارَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ، فَكَانَ مُرَادُهُ بِالْمَرْوِيِّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا تَعْقِيدَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَظَهَرَ عَمَلُ الْعَامَّةِ الْيَوْمَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى تَفْسِيرِ عُلَمَائِنَا لَا عَلَى مَا حَمَلَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَلْبَتَّةَ أَنْ مَا عَلَيْهِ عَمَلُ أَصْحَابِنَا إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ فِي الْمُحِيطِ: ثُمَّ عَمِلُوا بِرِوَايَةِ الزِّيَادَةِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ وَبِرِوَايَةِ النُّقْصَانِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ، وَخَصُّوا الْأَضْحَى بِالنُّقْصَانِ لِاسْتِعْجَالِ النَّاسِ بِالْقَرَابِينِ.
وَقَوْلُهُ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) ظَاهِرٌ وَلَيْسَ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِقَدْرِ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ، فَلَوْ وَالَى بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ لَاشْتَبَهَ عَلَى مَنْ كَانَ نَائِيًا عَنْ الْإِمَامِ، وَالِاشْتِبَاهُ يَزُولُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمُكْثِ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَيْسَ هَذَا الْقَدْرُ بِلَازِمٍ، بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَقِلَّتِهِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الِاشْتِبَاهِ عَنْ الْقَوْمِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْقَوْمِ وَقِلَّتِهِمْ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ) يَدَيْهِ لِأَنَّ الرَّفْعَ سُنَّةُ الِافْتِتَاحِ، وَلَا افْتِتَاحَ فِي الزَّوَائِدِ فَلَا رَفْعَ كَمَا فِي تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا) لِأَنَّ مَا قَالَهُ قِيَاسٌ تُرِكَ بِالْأَثَرِ، وَيَأْتِي بِالثَّنَاءِ عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ قَبْلَ الزَّوَائِدِ، وَكَذَلِكَ التَّعَوُّذُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute