وَالْوَعْدُ يُسَوِّغُ بَعْضَ الْمَسَاغِ، وَحِينَ أَكَادُ أَتَّكِي عَنْهُ اتِّكَاءَ الْفَرَاغِ، تَبَيَّنْتُ فِيهِ نُبَذًا مِنْ الْإِطْنَابِ وَخَشِيت أَنْ يُهْجَرَ لِأَجْلِهِ الْكِتَابُ، فَصَرَفْت الْعِنَانَ وَالْعِنَايَةَ إلَى شَرْحِ آخَرِ مَوْسُومٍ بِالْهِدَايَةِ، أَجْمَعُ فِيهِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَ عُيُونِ الرِّوَايَةِ وَمُتُونِ الدِّرَايَةِ، تَارِكًا لِلزَّوَائِدِ فِي كُلِّ بَابٍ، مُعْرِضًا عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْإِسْهَابِ، مَعَ مَا أَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى أُصُولٍ يَنْسَحِبُ عَلَيْهَا فُصُولٌ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِهَا، وَيَخْتِمَ لِي بِالسَّعَادَةِ بَعْدَ اخْتِتَامِهَا،
هَذَا الْمَعْنَى: أَعْنِي كَوْنَهُ هَضْمًا لِنَفْسِهِ ذَهَبَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَتَاجِ الشَّرِيعَةِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرَهُ لِبَيَانِ صَلَاحِيَتِهِ لِذَلِكَ كَانَ مَعْنَاهُ وَأَنَا مِنْهُمْ هُمْ رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالٌ، وَحَصَلَ الْوُقُوفُ لَنَا عَلَى الْمَآخِذِ بِالْإِتْقَانِ كَمَا حَصَلَ لَهُمْ فَجَازَ لَنَا الِاعْتِبَارُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ جَرَى عَلَيَّ الْوَعْدُ، وَهُوَ مِمَّا يَسُوغُ بَعْضَ الْمَسَاغِ: يَعْنِي مُنْفَرِدًا عَنْ صَلَاحِيَةِ الْوَاعِدِ لِلْإِتْيَانِ بِالْمَوْعِدِ فَكَيْفَ مَعَ الصَّلَاحِيَةِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ لَكِنْ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْته مِنْ الْعِبَارَةِ.
وَقَوْلُهُ (وَحِينَ أَكَادُ أَتَّكِئُ عَنْهُ اتِّكَاءَ الْفَرَاغِ) قِيلَ عَدَّى الِاتِّكَاءَ بِعَنْ وَإِنْ كَانَتْ تَعْدِيَتُهُ بِعَلَى لِتَضْمِينِ مَعْنَى الْفَرَاغِ، وَرُدَّ بِأَنَّ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ وَحِينَ أَكَادُ أَفْرَغُ عَنْهُ فَرَاغَ الْفَرَاغِ وَهُوَ تَرْكِيبٌ فَاسِدٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَنْهُ صِلَةُ الْفَرَاغِ قُدِّمَ عَلَيْهِ رِعَايَةً لِلسَّجْعِ.
وَقَوْلُهُ (تَبَيَّنْت) أَيْ عَلِمْت، وَالنَّبْذُ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ، وَقَوْلُهُ (فَصَرَفْت الْعَنَانَ وَالْعِنَايَةَ) يَعْنِي عَنَانَ الْخَاطِرِ وَعِنَايَةَ الْقَلْبِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْعَنَانِ الظَّاهِرُ وَبِالْعِنَايَةِ الْبَاطِنُ. وَقَوْلُهُ (أَجْمَعَ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ صَرَفْت وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةَ شَرْحٍ، وَعُيُونُ الرِّوَايَةِ هِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا الْعُلَمَاءُ ﵏، فَإِذًا عَيْنُ الشَّيْءِ خِيَارُهُ وَمُتُونُ الدِّرَايَةِ الْمَعَانِي الْمُؤَثِّرَةُ وَالنِّكَاتُ الْمَتِينَةُ.
وَقَوْلُهُ فِي كُلِّ بَابٍ: يَعْنِي مِنْ الرِّوَايَةِ وَالدِّرَايَةِ، وَقَوْلُهُ (عَنْ هَذَا النَّوْعِ) إشَارَةٌ إلَى الَّذِي وَقَعَ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى وَخَافَ أَنْ يَهْجُرَ لِأَجْلِهِ الْكِتَابَ، وَالْإِسْهَابُ هُوَ الْإِطْنَابُ، وَهُوَ التَّكَلُّمُ بِأَزْيَدَ مِنْ مُتَعَارَفِ الْأَوْسَاطِ. وَقَوْلُهُ (مَعَ مَا أَنَّهُ) دَفْعٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ مُوجَزًا خَلَا عَنْ الْأُصُولِ وَالْفُصُولِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْهَجْرِ مِنْ الْأَوَّلِ فَقَالَ لَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مَعَ كَوْنِهِ خَالِيًا عَنْ الْإِطْنَابِ مُشْتَمِلٌ عَلَى أُصُولٍ يَنْسَحِبُ عَلَيْهَا فُصُولٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَ جَزَاهُ اللَّهُ عَنْ الطَّلَبَةِ خَيْرًا يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ خَدَمَ كِتَابَهُ حَقَّ خِدْمَتِهِ، فَمَا ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي فَسَادِ الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ بِكُلِّ شَرْطٍ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ، فَإِنَّ فِي كُلِّ قَيْدٍ مِنْهُ احْتِرَازًا عَمَّا يُضَادُّهُ وَجَمْعًا لَمَا يُوَافِقُهُ.
وَقَوْلُهُ (لِإِتْمَامِهَا وَاخْتِتَامِهَا) الضَّمِيرُ لِلْهِدَايَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ فِيهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute