للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى) تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ.

(وَلَيْسَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ) لِتَعَذُّرِ الِاجْتِمَاعِ فِي اللَّيْلِ (أَوْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ)، وَإِنَّمَا يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ بِنَفْسِهِ؛ لِقَوْلِهِ «إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» (وَلَيْسَ فِي الْكُسُوفِ خُطْبَةٌ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ.

الْخَوْفُ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ) يَعْنِي الْإِمَامَ (صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى إنْ شَاءُوا رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءُوا أَرْبَعًا) لِأَنَّ هَذَا تَطَوُّعٌ وَالْأَصْلُ فِي التَّطَوُّعَاتِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ) أَيْ فِتْنَةِ التَّقْدِيمِ وَالتَّقَدُّمِ وَالْمُنَازَعَةِ فِيهِمَا.

وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ) عَابَ أَهْلُ الْأَدَبِ مُحَمَّدًا فِي هَذَا اللَّفْظِ وَقَالُوا: إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَمَرِ لَفْظُ الْخُسُوفِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ﴾ ﴿وَخَسَفَ الْقَمَرُ﴾ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ: يُقَالُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ جَمِيعًا، وَقَوْلُهُ «فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» الْحَدِيثَ. رَوَى أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ وَلَدُ النَّبِيِّ ، فَقَالَ النَّاسُ: إنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِهِ، فَقَالَ : إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» أَيْ الْتَجِئُوا إلَيْهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَاجِبَةً. قُلْنَا: قَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ وَالْعَامَّةُ ذَهَبَتْ إلَى كَوْنِهَا سُنَّةً لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا تُوجَدُ بِعَارِضٍ لَكِنْ صَلَّاهَا النَّبِيُّ فَكَانَتْ سُنَّةً وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِي الْكُسُوفِ) أَيْ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (خُطْبَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ: يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ كَمَا فِي الْعِيدَيْنِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ «خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ» وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُفْعَلْ، وَإِنْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ خَطَبَ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ إنَّهَا كَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>