وَمَا رَوَاهُ كَانَ تَفَاؤُلًا (وَلَا يَقْلِبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ.
فَكَذَا هَذَا. وَقَوْلُهُ (وَمَا رَوَاهُ كَانَ تَفَاؤُلًا) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْحَدِيثِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَفَاءَلَ بِتَغَيُّرِ الْهَيْئَةِ لِتَغَيُّرِ الْهَوَاءِ: يَعْنِي غَيَّرْنَا مَا كُنَّا عَلَيْهِ فَغَيِّرْ اللَّهُمَّ الْحَالَ. وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ بَاطِلٌ.
وَالثَّانِي هَبْ أَنَّهُ ﵊ تَفَاءَلَ بِذَلِكَ فَلْيَتَفَاءَلْ كُلُّ مَنْ يُبْتَلَى بِذَلِكَ تَأَسِّيًا بِهِ ﵊. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَيْسَ تَعْلِيلًا فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ بَلْ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ بَعْدَ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ يَدُلُّ عَلَى الْقَلْبِ، وَمَا رَوَى أَنَسٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَحْوِيلَ فِيهِ فَتَعَارَضَا فَصِيرَ إلَى مَا بَعْدَهُمَا مِنْ الْحُجَّةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِهِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِالْوَحْيِ أَنَّ الْحَالَ يَنْقَلِبُ إلَى الْخَصْبِ مَتَى قَلَبَ الرِّدَاءَ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَأَتَّى مِنْ غَيْرِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأَسِّي ظَاهِرًا فِيمَا يَنْفِيهِ الْقِيَاسُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُقَلِّبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ) قِيلَ هُوَ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ ﵊ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالنَّفْيِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ احْتِجَاجٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَمِثْلُ هَذَا صَنَعَ فِي آخِرِ بَابِ الْكُسُوفِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالنَّفْيِ لَا يَصِحُّ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ مُتَعَيِّنَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعِلَّةِ الشَّخْصِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبِ إنَّهُ لَا يُضْمَنُ الْغَصْبُ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute