للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ثُمَّ يُنَشِّفُهُ بِثَوْبٍ) كَيْ لَا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ (وَيَجْعَلُهُ) أَيْ الْمَيِّتَ (فِي أَكْفَانِهِ وَيَجْعَلُ الْحَنُوطَ عَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَالْكَافُورَ عَلَى مَسَاجِدِهِ)؛ لِأَنَّ التَّطَيُّبَ سُنَّةٌ وَالْمَسَاجِدُ أَوْلَى بِزِيَادَةِ الْكَرَامَةِ.

(وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُ الْمَيِّتِ وَلَا لِحْيَتُهُ وَلَا يُقَصُّ ظُفُرُهُ وَلَا شَعْرُهُ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ : عَلَامَ تَنْصُونَ مَيِّتَكُمْ،

فِي الْكِتَابِ مِنْ مَسْحِ الْبَطْنِ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْغُسْلِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ قَالَ: يُقْعِدُهُ أَوَّلًا وَيَمْسَحُ بَطْنَهُ ثُمَّ يَغْسِلُهُ، لِأَنَّ الْمَسْحَ قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْلَى حَتَّى يُخْرِجَ مَا فِي بَطْنِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَيَقَعُ الْغُسْلُ ثَلَاثًا بَعْدَ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النَّجَاسَةَ قَدْ تَكُونُ مُنْعَقِدَةً لَا تَخْرُجُ إلَّا بَعْدَ الْغُسْلِ مَرَّتَيْنِ بِمَاءٍ حَارٍّ، فَكَانَ الْمَسْحُ بَعْدَ الْمَرَّتَيْنِ أَقْدَرَ عَلَى إخْرَاجِ مَا بِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَيَكُونُ أَوْلَى. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّثْلِيثَ فِي غُسْلِهِ سُنَّةٌ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا» وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ: يُغَسَّلُ أَوَّلًا وَهُوَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يُغَسَّلُ وَهُوَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ يُغَسَّلُ وَهُوَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ لِيَحْصُلَ الْغُسْلُ ثَلَاثًا.

وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: تَرَكَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ الثَّالِثِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الثَّالِثُ هُوَ قَوْلُهُ ثُمَّ يُفِيضُونَ الْمَاءَ عَلَيْهِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَيُغَسَّلُ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْخِطْمِيِّ، وَغَسْلُ الرَّأْسِ بَعْدَ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ثَلَاثًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْغُسْلَ إجْمَالًا وَمَا بَعْدَهُ تَفْصِيلُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ مِنْ الْغُسْلِ مَرَّتَيْنِ مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ، وَالتَّثْلِيثُ فِي الصَّبِّ سُنَّةٌ عِنْدَ كُلِّ إضْجَاعٍ وَهَذَا أَنْسَبُ. قِيلَ النِّيَّةُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ أُخْرِجَ الْغَرِيقُ وَجَبَ غُسْلُهُ إلَّا إذَا حُرِّكَ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ، لِأَنَّ الْخِطَابَ بِالْغُسْلِ تَوَجَّهَ عَلَى بَنِي آدَمَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ شَيْءٌ عِنْدَ عَدَمِ التَّحْرِيكِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَاءَ مُزِيلٌ بِطَبْعِهِ، فَكَمَا لَا تَجِبُ النِّيَّةُ فِي غُسْلِ الْحَيِّ فَكَذَا لَا تَجِبُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: مَيِّتٌ غَسَّلَهُ أَهْلُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْغُسْلِ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يُنَشِّفُهُ) ظَاهِرٌ، وَالْحَنُوطُ عِطْرٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَشْيَاءَ طَيِّبَةٍ. وَالْمُرَادُ بِالْمَسَاجِدِ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ فَخُصَّ بِزِيَادَةِ الْكَرَامَةِ

(قَوْلُهُ وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُ الْمَيِّتِ) تَسْرِيحُ الشَّعْرِ تَخْلِيصُ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ، وَقِيلَ تَخْلِيلُهُ بِالْمُشْطِ، وَقِيلَ مَشْطُهُ.

وَقَوْلُهُ (وَلَا يُقَصُّ ظُفْرُهُ) رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الظُّفُرَ إذَا كَانَ مُنْكَسِرًا فَلَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ. وَقَوْلُهُ (عَلَامَ) أَصْلُهُ " عَلَى مَا " دَخَلَ حَرْفُ الْجَرِّ عَلَى مَا الِاسْتِفْهَامِيَّة فَأَسْقَطَ أَلِفَهَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾ وَيُقَالُ نَصَوْت الرَّجُلَ نَصْوًا أَخَذْت نَاصِيَتَهُ وَمَدَدْتهَا. رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ سُئِلَتْ عَنْ تَسْرِيحِ شَعْرِ الْمَيِّتِ فَقَالَتْ: عَلَامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ؟ كَأَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>