للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَسَّخَ) وَالْمُعْتَبَرُ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ هُوَ الصَّحِيحُ لِاخْتِلَافِ الْحَالِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ.

(وَالصَّلَاةُ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَةً يَحْمَدُ اللَّهَ عَقِيبَهَا،

وَإِنَّمَا صَلَّى النَّبِيُّ لِأَنَّ الْحَقَّ كَانَ لَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ وِلَايَةُ الْإِسْقَاطِ، وَهَكَذَا تَأْوِيلُ فِعْلِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مَشْغُولًا بِتَسْوِيَةِ الْأُمُورِ وَتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ فَكَانُوا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ حُضُورِهِ، وَكَانَ الْحَقُّ لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْخَلِيفَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ أَحَدٌ بَعْدَهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَقَوْلُهُ (صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ) يَعْنِي إذَا وُضِعَ اللَّبِنُ عَلَى اللَّحْدِ وَأُهِيلَ التُّرَابُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوضَعْ اللَّبِنُ عَلَى اللَّحْدِ أَوْ وُضِعَ وَلَكِنْ لَمْ يُهَلْ التُّرَابُ عَلَيْهِ يُخْرَجُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّسْنِيمَ لَمْ يَتِمَّ بَعْدُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ.

وَقَوْلُهُ (وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي عَدَمِ التَّفَسُّخِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ وَبَعْدَهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ فِي نَوَادِرِهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ، لِأَنَّ تَفَرُّقَ الْأَجْزَاءِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَيِّتِ مِنْ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ، وَبِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَبِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ مِنْ الصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ، وَاَلَّذِي رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ» مَعْنَاهُ دَعَا لَهُمْ وَهُوَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ. وَقِيلَ: إنَّهُمْ كَانُوا كَمَا دُفِنُوا لَمْ تَتَفَرَّقْ أَعْضَاؤُهُمْ، وَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ الرَّأْيِ هُوَ الْمُعْتَبَرَ، فَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرِ رَأْيِهِمْ أَنَّ أَجْزَاءَ الْمَيِّتِ تَفَرَّقَتْ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَنَّهَا لَمْ تَتَفَرَّقْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.

قَالَ (وَالصَّلَاةُ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَةً) الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ (يَحْمَدُ اللَّهَ عَقِبَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى) وَلَمْ يُعَيِّنْ نَوْعًا مِنْ الثَّنَاءِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِيهَا: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ إلَخْ كَمَا مَرَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>