بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّحَرِّي (وَمَنْ جَعَلَ مِنْهُمْ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ) لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ
(وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَتَحَلَّقَ النَّاسُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّوْا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ مِنْ الْإِمَامِ جَازَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ) لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجَانِبِ
(وَمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ هِيَ الْعَرْصَةُ، وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ عِنْدَنَا دُونَ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ جَازَ وَلَا بِنَاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
مَانِعٌ فَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهِ فِي الْأَوَّلِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الثَّانِي. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّحَرِّي) يَعْنِي إذَا صَلَّوْا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ وَهُوَ يَعْلَمُ، فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَإِ، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ ظَهَرَ وَجْهُ عَدَمِ جَوَازِ الْوَجْهِ الرَّابِعِ مِنْ هَذَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ يَسَارِهِ فَهُوَ أَيْضًا جَائِزٌ. وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (فَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَتَحَلَّقَ النَّاسُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَتَحَلَّقَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ صَلَّى.
وَقَوْلُهُ (فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَقْرَبَ) جَزَاهُ إذَا صَلَّى الْإِمَامُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (تَحَلَّقَ) بِلَا فَاءٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَالٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ وَقَوْلُهُ فَمَنْ كَانَ جَزَاءُ الشَّرْطِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ جُزْءُ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ فَمَنْ كَانَ جُمْلَةٌ أُخْرَى شَرْطِيَّةٌ عُطِفَتْ عَلَى الْأُولَى. وَقَوْلُهُ (إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي جَانِبِهِ لَمْ يَجُزْ لِوُجُودِ التَّقَدُّمِ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجَانِبِ.
قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ فِي الْأَسْمَاءِ الْإِضَافِيَّةِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الْإِضَافِيَّةِ وَلَيْسَ لِلْإِضَافَةِ تَقْيِيدٌ بِجِهَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ كَانَ فِي مَعْنَى مَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ وَهُوَ جَيِّدٌ.
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ) أَيْ عَلَى سَطْحِهَا، وَلَعَلَّهُ اخْتَارَ لَفْظَ الظُّهْرِ لِوُرُودِ لَفْظِ الْحَدِيثِ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَرَادَ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ (جَازَتْ صَلَاتُهُ) عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي جَوَازِ التَّوَجُّهِ إلَيْهَا لِلصَّلَاةِ الْبِنَاءُ. وَعِنْدَنَا أَنَّ الْقِبْلَةَ هِيَ الْكَعْبَةُ وَالْكَعْبَةُ هِيَ الْعَرْصَةُ وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْبِنَاءِ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَا شَيْءَ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْبِنَاءِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِتَأْوِيلِ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَأَدَائِهَا (لِمَا فِيهِ) أَيْ فِي التَّعَلِّي عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ (وَمَنْ تَرَكَ التَّعْظِيمَ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ) قِيلَ أَيْ عَنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَقِيلَ عَنْ