(وَإِنْ مَرَّ ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَشَرَ الْخَمْرَ دُونَ الْخِنْزِيرِ) وَقَوْلُهُ عَشَرَ الْخَمْرَ: أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَعْشُرُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُمَا. وَقَالَ زُفَرُ: يَعْشُرُهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُمْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَعْشُرُهُمَا إذَا مَرَّ بِهِمَا جُمْلَةً كَأَنَّهُ جَعَلَ الْخِنْزِيرَ تَبَعًا لِلْخَمْرِ، فَإِنْ مَرَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ عَشَرَ الْخَمْرَ دُونَ الْخِنْزِيرِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْقِيمَةَ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ لَهَا حُكْمُ الْعَيْنِ وَالْخِنْزِيرُ مِنْهَا، وَفِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لَيْسَ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ
يَحُولَ الْحَوْلُ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِحَالِهِ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ ثَانِيًا.
قَالَ (وَإِنْ مَرَّ ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عُشِّرَ الْخَمْرُ دُونَ الْخِنْزِيرِ) إذَا مَرَّ الذِّمِّيُّ عَلَى الْعَاشِرِ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ وَتَبْلُغُ الْقِيمَةُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا فَسَّرَ بِقَوْلِهِ (أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مَسْرُوقٍ ﵀ فَإِنَّهُ يَقُولُ يُعَشَّرُ عَيْنُهَا وَنَفْيًا لِظَاهِرِ مَا يُفْهَمُ فَإِنَّ السَّامِعَ يَفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يُعَشِّرُ عَيْنَ الْخَمْرِ وَالْمُسْلِمُ مَنْهِيٌّ عَنْ اقْتِرَابِهَا ثُمَّ الشَّافِعِيُّ ﵀ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ بِأَنَّهُ لَا مَالِيَّةَ وَلَا قِيمَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ أَوْ خِنْزِيرَهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ، وَزُفَرُ ﵀ سَوَّى بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَتْلَفَ خِنْزِيرَ الذِّمِّيِّ ضَمِنَهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ خَمْرَهُ، وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ التَّبَعِيَّةَ فَجَعَلَ الْخِنْزِيرَ تَابِعًا لِلْخَمْرِ لِأَنَّ الْخَمْرَ أَقْرَبُ إلَى الْمَالِيَّةِ بِوَاسِطَةِ التَّخْلِيلِ، وَقَدْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَقْصُودًا.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَقَالَ وَإِذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ دَارًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَشَفِيعُهَا ذِمِّيٌّ، إلَى أَنْ قَالَ: وَإِنْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا أَخَذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، فَلَوْ كَانَ لِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ حُكْمُهُ لَمَا أُخِذَ بِقِيمَتِهِ كَمَا لَا يَأْخُذُهَا بِعَيْنِهِ وَبِمَسْأَلَةِ الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَتْلَفَ خِنْزِيرًا لِذِمِّيٍّ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ وَلَوْ كَانَ لَهَا حُكْمُ الْعَيْنِ لَمَا ضَمِنَهَا كَمَا لَا يَضْمَنُ عَيْنَهَا، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَبِأَنَّ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ إذَا غَصَبَ خِنْزِيرَ ذِمِّيٍّ وَتَحَاكَمَا إلَى الْقَاضِي يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالرَّدِّ وَالتَّسْلِيمِ وَذَلِكَ حِمَايَةً لَهُ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ قِيمَةَ ذَوَاتِ الْقِيَمِ بِمَنْزِلَةِ عَيْنِهَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ عَيْنِهَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَبِمَنْزِلَتِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَدَاءَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ وَلَا تَعْيِينَ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ فَأَخَذَتْ الْقِيمَةُ حُكْمَ الْعَيْنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلِهَذَا إذَا تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ امْرَأَةً عَلَى خِنْزِيرٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَتَاهَا بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى قَبُولِهَا كَمَا لَوْ أَتَاهَا بِعَيْنِهِ، فَلَمَّا دَارَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ وَبَيْنَ أَنْ لَا تَكُونَ أُعْطِيت حُكْمَ الْعَيْنِ فِي حَقِّ الْأَخْذِ وَالْحِيَازَةِ وَهُوَ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَلَمْ تُعْطَ فِي حَقِّ الْإِعْطَاءِ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute