مَعْدِنًا فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا فِيهِ الْخُمُسُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلَهُ أَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ مُرَكَّبٌ فِيهَا وَلَا مُؤْنَةَ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ فَكَذَا فِي هَذَا الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ لَا يُخَالِفُ الْجُمْلَةَ، بِخِلَافِ الْكَنْزِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَكَّبٍ فِيهَا (وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِهِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى إحْدَاهُمَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الدَّارَ مُلِكَتْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ دُونَ الْأَرْضِ وَلِهَذَا وَجَبَ الْعُشْرُ، وَالْخَرَاجُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الدَّارِ فَكَذَا هَذِهِ الْمُؤْنَةُ
(وَإِنْ وَجَدَ رِكَازًا) أَيْ كَنْزًا (وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ) عِنْدَهُمْ لِمَا رَوَيْنَا وَاسْمُ الرِّكَازِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكَنْزِ لِمَعْنَى الرَّكْزِ وَهُوَ الْإِثْبَاتُ
إذَا وَجَدَ الْإِنْسَانُ فِي دَارِهِ (مَعْدِنًا فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا فِيهِ الْخُمُسُ) لَهُمَا إطْلَاقُ قَوْلِهِ ﵊ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالدَّارِ، وَدَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ أَجْزَائِهَا لَجَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ بِالْإِجْمَاعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَجُوزُ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا لَا مِنْ أَجْزَائِهَا خِلْقَةً، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا. وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا خَصَّهُ بِهَذِهِ الدَّارِ فَكَأَنَّهُ نَفَّلَ بِهَا، وَلِلْإِمَامِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ (وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِهِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ: لَا شَيْءَ فِيهِ كَمَا فِي الدَّارِ، وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: فِيهِ الْخُمُسُ، وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَ رِكَازًا: أَيْ كَنْزًا) إنَّمَا فَسَّرَهُ بِهَذَا لِأَنَّ الرِّكَازَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمَعْدِنِ وَالْكَنْزِ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمَعْدِنِ فَيُرَادُ بِهِ الْكَنْزُ وَلِيَصِحَّ قَوْلُهُ (وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ عِنْدَهُمْ) فَإِنْ وَجَبَ الْخُمُسُ بِالِاتِّفَاقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَنْزِ لَا فِي الْمَعْدِنِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ فِي الدَّارِ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْخُمُسِ فِي الْمَعْدِنِ فَاسْتِدْلَالُهُ بِهِ هُنَا اسْتِعْمَالٌ لِلَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَاسْمُ الرِّكَازِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكَنْزِ لِمَعْنَى الرِّكْزِ فِيهِ وَهُوَ الْإِثْبَاتُ) وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَابِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَدْلُولَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ الْمَعْنَوِيِّ وَلَا امْتِنَاعَ فِي ذَلِكَ، وَبِهَذَا سَقَطَ مَا قِيلَ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ لِسِبَاقِ مَا رَوَيْنَا وَهُوَ قَوْلُهُ ﵊ فِيهِ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِيهِ الْكَنْزُ فَكَانَ ذِكْرُ الْكَنْزِ مَقْصُودًا هُنَاكَ فَكَانَ التَّمَسُّكُ بِهِ أَوْلَى كَمَا تَمَسَّكَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ، إذْ دَلَالَةُ الرِّكَازِ عَلَى مَا ادَّعَى الْمُصَنِّفُ مِنْ الْكَنْزِ بِسَبَبِ دَلَالَةِ الرِّكَازِ عَلَى الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ قَدْ يَدُلُّ عَلَى الْكَنْزِ وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْدِنِ فَكَانَ مُحْتَمَلًا كَالنَّصِّ.
وَأَمَّا إرَادَةُ الْكَنْزِ لِسِيَاقِ الْحَدِيثِ وَهُوَ فِيمَا تَمَسَّكَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ فَبِدَلِيلٍ غَيْرِ مُحْتَمَلٍ فَكَانَ مُفَسَّرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute