الْعُشْرُ وَلَهُ مَا رَوَيْنَا، وَمَرْوِيُّهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى صَدَقَةٍ يَأْخُذُهَا الْعَاشِرُ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ قَدْ تُسْتَنْمَى بِمَا لَا يَبْقَى وَالسَّبَبُ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ
مَنْفِيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ فَتَعَيَّنَ الْعُشْرُ (وَلَهُ مَا رَوَيْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ ﷺ «مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَفِيهِ الْعُشْرُ» (وَمَرْوِيُّهُمَا) وَهُوَ لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ (مَحْمُولٌ عَلَى صَدَقَةٍ يَأْخُذُهَا الْعَاشِرُ) يَعْنِي إذَا مَرَّ بِالْخَضْرَوَاتِ عَلَى الْعَاشِرِ وَأَرَادَ الْعَاشِرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ عَيْنِهَا لِأَجْلِ الْفُقَرَاءِ عِنْدَ إبَاءِ الْمَالِكِ عَنْ دَفْعِ الْقِيمَةِ لَا يَأْخُذُ (وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا الْمَرْوِيِّ (أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ) فِي حَقِّ هَذَا الْمَحْمَلِ الَّذِي حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا لِأَجْلِ الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ عَيْنِهَا لِيَصْرِفَهُ إلَى عِمَالَتِهِ جَازَ وَإِنَّمَا قُلْنَا عِنْدَ إبَاءِ الْمَالِكِ عَنْ دَفْعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ إذَا أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ لَا كَلَامَ فِي جَوَازِ أَخْذِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَخْذَ ثَبَتَ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ وَلَا نَظَرَ هَاهُنَا لِأَنَّ الْعَاشِرَ فِي الْأَغْلَبِ يَكُونُ نَائِيًا عَنْ الْبَلْدَةِ وَلَا يَجِدُ فَقِيرًا ثَمَّةَ يَصْرِفُهُ إلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى الْبَلَدِ وَرُبَّمَا تَفْسُدُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْفُقَرَاءِ فَيُؤَدِّي إلَى الضَّرَرِ فَلَا يَأْخُذُ بَلْ يُؤَدِّيهِ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ وَاَلَّذِي يَقْطَعُ هَذِهِ الْمَادَّةَ أَنَّ الْعَالِمَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَلَوْ فِي بَعْضِ مُوجِبِهِ أَوْلَى مِنْ الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى الْعَمَلِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مِقْدَارِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا رَوَيَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى مَحْمَلٍ آخَرَ وَعَمِلَ بِهِ فِيهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ ﵀ أَخَذَ هَذَا الْأَصْلَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ فَإِنَّهُ عَمِلَ بِالْعَامِّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حِينَ أَرَادَ إجْلَاءَ بَنِي النَّضِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَأَجَلَاهُمْ وَلَمْ يَتَلَفَّتْ إلَى مَا اعْتَرَضُوا بِهِ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ «اُتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» كَذَا نَقَلَهُ شَيْخِي عَنْ شَيْخِ شَيْخِهِ ﵏ وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْأَرْضَ قَدْ تُسْتَنْمَى)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute