قَالَ: (وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ)؛ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَكْثُرُ فِيهِ وَتَقِلُّ فِيمَا يُسْقَى بِالسَّمَاءِ أَوْ سَيْحًا وَإِنْ سُقِيَ سَيْحًا وَبِدَالِيَةٍ فَالْمُعْتَبَرُ أَكْثَرُ السَّنَةِ كَمَا مَرَّ فِي السَّائِمَةِ. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀: فِيمَا لَا يُوسَقُ كَالزَّعْفَرَانِ، وَالْقُطْنِ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يُوسَقُ) كَالذُّرَةِ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّقْدِيرُ الشَّرْعِيُّ فِيهِ فَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ كَمَا فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: يَجِبُ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ الْخَارِجُ خَمْسَةَ أَعْدَادٍ مِنْ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ. فَاعْتُبِرَ فِي الْقُطْنِ خَمْسَةُ أَحْمَالٍ كُلُّ حِمْلٍ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ، وَفِي الزَّعْفَرَانِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ)؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْوَسْقِ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ
(وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀
الْحَبِّ كَمَا تَحَوَّلَ الْخَرَاجُ مِنْ الْمُكْنَةِ عِنْدَ التَّعْطِيلِ إلَى الْخَارِجِ عِنْدَ الْخُرُوجِ.
قَالَ (وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ) الْغَرْبُ الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ، وَالدَّالِيَةُ الْمَنْجَنُونُ تُدِيرُهَا الْبَقَرَةُ. وَذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ الدَّالِيَةَ جِذْعٌ طَوِيلٌ يُرَكَّبُ تَرْكِيبَ مَدَاقِّ الْأُرْزِ فِي رَأْسِهِ مِغْرَفَةٌ كَبِيرَةٌ يُسْتَقَى بِهَا، وَالسَّانِيَةُ النَّاقَةُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا.
وَقَوْلُهُ (فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) أَيْ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عِنْدَهُ يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ النِّصَابِ وَالْبَقَاءِ، وَعِنْدَهُمَا أَيْضًا نِصْفُ الْعُشْرِ لَكِنْ بِشَرْطِ النِّصَابِ وَالْبَقَاءِ كَمَا بَيَّنَّا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الدَّلِيلِ ظَاهِرٌ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: عَلَّلَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ فِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَبِكَثْرَتِهَا فِيمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَإِنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الْخُمُسَ فِي الْغَنَائِمِ وَالْمُؤْنَةُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْهَا فِي الزِّرَاعَةِ، وَلَكِنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ فَنَتَّبِعُهُ وَنَعْتَقِدُ فِيهِ الْمَصْلَحَةَ وَإِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَيْهَا.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ سُقِيَ سَيْحًا وَبِدَالِيَةٍ) وَاضِحٌ. وَإِنَّمَا عَطَفَ الدَّالِيَةَ بِالْبَاءِ لِأَنَّ السَّيْحَ اسْمٌ لِلْمَاءِ دُونَ الدَّالِيَةِ، فَإِنَّ الدَّالِيَةَ آلَةُ الِاسْتِقَاءِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ سُقِيَ دَالِيَةً لِأَنَّ الدَّالِيَةَ غَيْرُ مُسْقِيَةٍ بَلْ هِيَ آلَةُ السَّقْيِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَقَوْلُهُ (قَالَ أَبُو يُوسُفَ) قِيلَ: إنَّمَا ابْتَدَأَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَا يَرِدُ إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْعُشْرِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهُمَا أَثْبَتَا الْحُكْمَ عَلَى قَوْدِ مَذْهَبِهِمَا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَسْقِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فِيمَا لَا يُوسَقُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْوَسْقِ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ) لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَوَّلًا بِالصَّاعِ ثُمَّ بِالْكَيْلِ ثُمَّ بِالْوَسْقِ فَكَانَ الْوَسْقُ أَقْصَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ مِنْ مِعْيَارِهِ، وَأَقْصَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ فِي الْقُطْنِ الْحَمْلُ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَوَّلًا بِالْأَسَاتِيرِ ثُمَّ بِالْأَمْنَاءِ ثُمَّ بِالْحَمْلِ فَكَانَ الْحَمْلُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ. وَفِي الزَّعْفَرَانِ الْمَنُّ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَوَّلًا بِالسَّنَجَاتِ ثُمَّ بِالْأَسَانِينِ ثُمَّ بِالْمَنِّ.
وَقَوْلُهُ (وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ) قَيَّدَ بِأَرْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute